ألوان الحب في سورية

كم هي جميلةٌ تلك الألوان المحيطة بقلوب العشاق.. فلكلِّ لونٍ تعبيرٌ خاصٌّ، فالأبيض إخلاص والأصفر غيرة والبنفسج حزنٌ والأحمر حبّ. وكم هناك من شبّانٍ وفتياتٍ منتظرين الشعور بالأحمر. فتمتلئ الشوارع بباقات وأزهار مدللة بالأحمر، معبرة عن الحب الذي يخفق بأفئدة العشاق، والنابض بكلمات لا تعبّر إلا بألوان الطبيعة ورسوم الحدائق.

لكنه هناك، جالساً، وبقلبه غصّة الفراق، مرَّ عليه اليوم ذاكراً كلماتها المعاتبة، نظراتها الحزينة، جسدها النحيل، صوتها الباكي، ذاكراً أسباب الفراق والهجران، باكياً على أيام الحب والقلوب المشتعلة، لكنها هي الأيام. فقد خسر عمله وهو الآن لا يستطيع إكمال لغة الحب وتجسيدها لتصبح عائلة، فلا هو قادر على تأمين قوت يومه، ولا وجد طريقاً ليكمل مسيرته مع حب عمره. فختم الحكاية بالوداع…

رأيت فتاة تمشي وبيدها أزهار كثيرة، واضعة زهوراً على بعض المقاعد، ومعلقةَ بعضها على تلك الأغصان، وأحيانا راميةً بالورود على شوارعٍ عاشقة… فسألتها عن أسباب فعلها، فأجابتني بأن مسار الورد ذاك ما هو إلا مسارها مع حبيبها.. حبيبها الشهيد. بكت أدمعي صورها، تلعثمت كلماتي، أحسست غصتها، تعبت ألم فراقها، فكان من الصمت لغةً حائرة… تجتاز هي ذاك الصمت بابتسامتها الملتقيةً مع ذهولي من قوتها ومجيبةً عن ذهولي بأنها شاكرةً ومفتخرةً بما كتب لها، فحبيبها شهيد سورية، وسورية تستحق… ونسمع قصصاً من هجرانٍ وكراهيةٍ وخيانةٍ تكسر الحب لتجعله خدعة لدى البعض ولعبة بيد الآخر. ونرى التضحية في قلوب بعض العشاق فتسمو الكلمة بهم ويجعلون منها غايةً لكل شخص. فنجد شباباً تركوا الغربة وأمانها ليأتوا إلى حبيباتهن ويبقوا معهنّ، فلا هم قادرون على البعاد عنهن ولا هم قادرون على أن يأخذوهن إلى البلاد البعيدة، ققرروا أن يأتوا ويعيشوا الحب مع الحبيب الأبدي، ويسيروا معاً بطريق الحياة الواسعة والعثرة والمتعددة. وفتيات للوفاء عنوان، عملن مع أزواجهن وأحبتهن يداً بيد ليستطيعوا معاً تكوين ذاك العش، ببساطته ونَفَسُ الحب فيه. فلا يُردْنَ إلا سقفاً يحميهم وكلمات تبرّد نار الحزن مع لقمة تسد جوعهم. ومنهن رفضن زواجاً لمستوى مختلف حتى لا يتركن حبهن الحقيقي، فدافعن بكل جوارحهن عن نبضهن ومستقبلهن الخاص.

وعن الحب الكبير تصغر الكلمات، مع الأم ترى لوحة من بحر العطاء، من طيبة الحضن، من سلام النفس.. هناك يكون الحب صافياً كالمياه العذبة، ودفئاً ما بعده دفء… هناك فقط اللا مقابل، وعندها حقيقةً تعجزُ الكلمات…

وأما شوارع سورية فقد ملأها الحب العميق من دماء أبنائها. الذين ضحوا لها بأرواحهم ومستقبلهم ودمائهم ودموع أمهاتهم… ضحوا ليزهر الوطن، لمستقبل أبناء الوطن، لراحة أحبّاء الوطن…

ويسألون في محطات التلفاز: كيف ما يزال للحب في سورية مكان؟ وتجيب الصور: أهناك مكان آخر للحب. فكلنا يعلم أن سورية هي بلد الحب والمحبة، بلد العطاء والمودة، فأولادها تعودوا العطاء والبذل والحب دوماً وأبداً. هناك مفاهيم للحب متميزة، فقد قرر شباب سورية أن غدهم سيكون مختلفاً ومتميزاً، فهم سوف يبدؤون بأنفسهم، فيكون للعلم محطة وللثقافة محطة وللبذل محطة وللتقدم محطة وللوفاء محطات. من قلب يملؤه الوفاء تعاهدوا على أن يكونوا سوريين لسورية.. فيكفيها ما قدمت لهم كثيراً ومراراً وتكراراً، الآن هو دورهم ليقدموا لها.. ها هم يرسمون سورية المستقبل بشوارعها النظيفة وقانونها الحي وعِلمها المتطور وعَلَمِها المرتفع. لا يأس بعد اليوم ولا فشل، لا تعب في اللحاق بركب المستقبل ولا حسرة، لا طائفية ولا بغض، لا كراسي ولا مناصب، لا تحكم ولا استبداد، لا أنا بل نحن. ستعمّر البلد بسواعد أبنائها، سينمو الشجر بعرق الجبين، ستسترجع الآثار وتحمى وتصان وتبنى…

التسامح سيعود بالحب الكبير واللا متناهي من بلد الفينيقيين والآراميين والآشوريين، من بلد الحضارة المتجددة والشعب الحبيب.

عامرة ديارك يا شام، مباركة أنت بأولادك، مزينة بكل أعيادك!!

من قلوب السوريين لكل أيامك يا بلدي… محبة!!

العدد 1107 - 22/5/2024