«التصوير الضوئي» معوقات كبيرة فاقمتها التكنولوجيا

مع تزايد وتيرة العنف وانعدام الأمن الأمان في الشوارع والطرقات، زاد توجه السوريين إلى صفحات التواصل الاجتماعي يعبرون عليها عن مكنونات ذواتهم ويبدعون على صفحاتها ما تجود به أناملهم وما تنبض به قلوبهم، ومؤخراً بدأت تنتشر عبر هذه الشبكات ظاهرة انتشار الصفحات الخاصة بالمصورين الضوئيين أو ما يسمى بالتصوير الفوتوغرافي، والتي جاءت (ردّ فعل اتجاه الوضع الإنساني والاجتماعي والأمني وغيره، فيعرضون جوانب من حياة المجتمع السوري يعجز عن الوصول إليها العديد من المصورين المحترفين لتوثيق أحداثها)، كما يقول أحد المصورين الهواة، مشيراً إلى أن الصورة فن تثبيت اللحظة والاحتفاظ بها كما هي، لنعيد قراءتها في أوقات أخرى بتأمل. فتحولت مواقع التواصل إلى معرض لأعمال هواة التصوير على الرغم من الرداءة الفنية لبعضها مستفيدين في كثير من الأوقات من تحول كاميرا الجوال بتقنياتها الكبيرة إلى منافس للكاميرات الاحترافية في الدقة والحجم؛ ولتتجاوز في كثير من الأماكن العامة عبارة (ممنوع التصوير) التي تواجه الفوتوغرافي السوري تحت حجج واهية زادت من مصاعب التصوير الضوئي ومعاناة المصورين المحترفين، في ظل التردي الاقتصادي وارتفاع مستلزمات التصوير.

للوقوف على المعوقات التي تواجه التصوير الضوئي في سورية التقت (النور) المصور الفوتوغرافي أديب طيبا، والذي بين أن المصاعب والمعوقات لا تزال تحول دون تطلعات المهتمين بهذا المجال، كعدم تشجيع المؤسسات المعنية بالدولة من وزارة الثقافة والسياحة والإعلام لتنشيط نوادي للتصوير بالقطر، وعمل مسابقات ومعارض فنية لصالح المؤسسات، وعدم تشجيع المصورين الفنانين واقتناء لوحاتهم بأسعار جيدة، مشيراً إلى أن المصور الضوئي هو من يمتلك الرؤية الفنية والإحساس بالمحيط حوله من حيث التكوين والشكل والإضاءة، وبالتالي يسجل اللحظة بعدسته معطياً إبداعه الفني، وبعبارة أخرى هو عين ترى الأمور من منظور مختلف، فالتصوير (فن قائم على الإبداع والخيال والمهارة في عكس اللحظة الواقعية وأرشفتها).

ومن ناحية أخرى اعتبر طيبا أن التصوير الضوئي هواية مكلفة، لغلاء مستلزماتها من كاميرات وعدسات ومعدات؛ وسابقاً تكاليف الأفلام والطبع والتحميض، فاقتصرت ممارسته في السابق على الميسورين، لكنه أصبح مشجعاً ومتاحاً بعد أن غزت كاميرات (الديجيتال) الأسواق وإضافة الكاميرات المدمجة لأجهزة الهواتف، على الرغم من أنها لم ترتقِ بالصورة التي كانت تسجل على أفلام التحميض، منبهاً أن كاميرات الديجيتال تقضي على كلاسيكية فن التصوير الضوئي، لكنها بالمقابل زادت من إقبال الشباب مؤخراً على التصوير الذي تحول إلى فن سهل المنال، كما أنها اختصرت الوقت في تناقل الصورة وطباعتها بسهولة، الأمر الذي قد يسهم في تحسين الأداء والرؤية لنتائج الصور التي يحصل الهاوي عليها، ويمكنه أن ينتقل إلى مستوى أعلى بامتلاك كاميرا شبه احترافية.

وفيما يتعلق بالصفحات الخاصة بالمصورين -ومن يدّعون التصوير- التي غزت شبكات التواصل الاجتماعي، بيّن المصور الفوتوغرافي طيبا أن شبكات التواصل ساهمت بانتشار الصور بسرعة أكبر، ورأى أنها يمكن أن ترتقي بالذوق الفني للمبتدئ لمتابعته المستمرة لمصورين محترفين، وهو ما يساهم بتنمية التذوق الفني لدى المشاهدين ويساعد على الارتقاء بالصورة وبالتصوير عموماً، وقال: (لكن رغم توفر الإمكانية للانتشار السريع، إلا أن الصورة التي تم التقاطها باحتراف، هي التي تبقى في الأذهان)، وأكد ضرورة وجود معاهد ومدارس خاصة لتدريس التصوير الضوئي لتنمية مواهب الشباب.

وبين أن انتشار الظاهرة يعود إلى أن التصوير الضوئي فن جذاب لا يحتاج إلى ثقافة فنية كبيرة لاستيعابه، فالصورة عمل بصري قادر على التآلف مع مختلف الأمزجة والثقافات وسويات الوعي الفكري، ولذا فإنه -التصوير- مرشح للصعود المستمر في حال وجود اهتمام حقيقي من الجهات المعنية.

ومن جهته عزا محمود (منشئ إحدى صفحات التصوير) انتشار صفحات المصورين إلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وحاجتها الملحة إلى الصور، ودخول تطبيق (إنستجرام) إلى عالم الأندرويد، ما ساهم في تزايد أعداد المصورين الهواة والمحترفين منهم، فكثرت مسابقات التصوير عبر مواقع التواصل لتكرس ظاهرة انتشرت في ظل الانفتاح الإعلامي وما رافقه من انتشار كبير للصورة كوثيقة بصرية تؤرشف الحدث الجاري في الواقع.

كما لفت محمود إلى ظاهرة تصحيح الصور عبر البرامج الإلكترونية أو تشكيل صور ربما كانت أجمل بكثير لو صرف المصور هذا الجهد على الصورة بحد ذاتها.

بدورها أشارت يارا (إحدى المتابعات لعدد من الصفحات) إلى وجود تفاوت كبير في المستوى الفني بين الصفحات الموجودة، وهو ما يعزى لتفاوت مستويات الخبرة والقدرة على التقاط تكوينات صحيحة، مع معالجة الضوء والظل.

صفحات كثيرة ومواقع عديدة انتشرت عليها صور السوريين التي تنوعت موضوعاتها بين المواقع الأثرية والمناظر الطبيعية إلى جانب البورتريه، بأساليب واقعية مباشرة وتعبيرية، بعضها بالألوان والبعض الآخر بالأبيض والأسود، وقسم آخر يعمل على توثيق مشاهد التدمير والانتهاكات، وفريق يعمل على رسم الأمل بصور تفيض فرحاً وتنبض حباً افتقدناه في أزقة بلد السلام.

وبغض النظر عن سلبيات الظاهرة إلا أنها تبقى فسحة حرية لكثيرين يسعون ليخطوا بصماتهم في عالم التصوير ضمن واقع افتراضي.

العدد 1105 - 01/5/2024