الحل السياسي.. نحروه أم انتحر؟!

لم تعد ذاكرة شهر آذار تتسع لتخزين ما تركته المناسبات والأعياد والسياسة في هذا الشهر. فقد مرَت سنتان على الأزمة السورية، وعشر سنوات على الاحتلال الأمريكي عن العراق. ولا يزال أصحاب الفكر الظلامي ينفذون الأعمال التفجيرية ويزرعون العبوات الناسفة في الشوارع والأبنية والأماكن الدينية.

لقد نحر الثلاثي (قطر وتركيا والسعودية) الحل السياسي، وبدأ بيان جنيف ينزف دماً. وسلخت فرنسا وبريطانيا جلده وقطَّعت لحمه. وشهد الأسبوع الماضي تصريحات الرئيس الأمريكي، الذي ينادي (بالسياسة الناعمة) مدى حبه لإسرائيل والحفاظ على استقرارها وأمنها الداعم لها حتى العظم. ونفّذ (الائتلاف) تعليمات البيت الأبيض بحذافيرها، وذلك بنقل (هيتو) الشخصية الإخوانية، الأمريكي الجنسية، الكردي الهوية، من واشنطن إلى إسطنبول. وكان منافساً قوياً ومدعوماً من الإخوان المسلمين. وجرى تنصيبه رئيساً لما يسمى ب(الحكومة المؤقتة).

وأرى أنه كلما تقدَّم الحل السياسي عشرة سنتيمترات، تنقل الأوساط الإقليمية الرجعية والإمبريالية الأمريكية والأوربية، طاولة الحوار من مكانها الطبيعي، وتضعها في جبل الجليد السياسي. ولم يتغير وجه السياسة في البيت الأبيض، فقبل شروق الشمس يكون بلون، وعند الظهيرة ومع ارتفاع حرارة الطقس، وحرارة التدمير والتفجير وتصدير الأخبار عن مراكز تدريب السلفيين يكون بلون آخر. فهذا المسؤول يصرح بإمكان تدخل حلف الناتو، وآخر يعود إلى النغمة القديمة وتكرار(عدم شرعية الحكومة السورية). وثالث يساند علناً المشروع الفرنسي البريطاني بتوريد الأسلحة إلى المعارضة المسلحة.

السؤال الذي يطرحه المواطن السوري: ماذا وراء تشكيل مثل هذه الحكومة المؤقتة؟

بيَّنت التحليلات السياسية المتشعبة والممتدة في جميع الاتجاهات، أن هذه الحكومة غير قابلة للحياة.. وهي حكومة تدعو لتقسيم سورية (شمال وجنوب).

وتشير خريطتها الموقعة بالأسود والأحمر، أن المراد هو جلوس »هيتو« على كرسي سورية في اجتماعات الوزراء العرب في الجامعة العربية، خاصة في القمة المزمع عقدها في الدوحة أواخر آذار الحالي. والانتقال التدريجي إلى الأمم المتحدة ومنظماتها. ولكن أكرر القول:(هل تجري الرياح بما تشتهي سفن هؤلاء الرافضين للحل السياسي..؟).

ستكشف الأيام القادمة الأكثر تعقيداً من سابقاتها، أن للسياسة تضاريسها كما للطبيعة. وأول عناصر المقاومة لهذه السياسة التفتيتية، صمود الجيش السوري والشعب السوري. وثانيها وضوح الموقف الروسي وثباته، وكذلك دول البريكس. وحول ذلك صرح المسؤولون الروس، بأن خيط الحوار مقطوع الآن مع ما يسمى (الحكومة المؤقتة). وثالثها (أول الرقص حنجلة)، إذ برز عشية (الانتخابات) الخلاف القطري- السعودي. علماً أن الاتفاق كان على أسعد مصطفى، لكن الرسالة الأمريكية حددت هيتو، وهو الشخصية التي لم تتنكر للحليب الذي رضعته خلال ثلاثة عقود في واشنطن. ورابعها الشرخ الحاصل في (الائتلاف) وانسحاب أو تجميد عضوية 12 عضواً قيادياً في الهيئة العامة للائتلاف، قبل أن تتراجع سهير الأتاسي وتعود إلى عشها الأليف. وجاءت استقالة الخطيب ضربة قوية لمن يغامر ويحتال.. وأكملها (الجيش الحر) برفضه الاعتراف برئيس (الحكومة المؤقتة). أما المتوقع فهو احتدام الصراع بين المجاميع المسلحة على العمل تحت قيادة هذه الحكومة، وأبرزها (جبهة النصرة) التي ترفض أن تكون تحت أمرة أيّ كان.

وهناك إضافات هامة أو ملحقات ستزيد الهوة بين الحل السياسي والحل العسكري. ومن هذه الملحقات تحجيم دور الممثل الأممي الأخضر الإبراهيمي والقضاء على مهمته، واضطراره لتقديم الاستقالة. وفي الوقت نفسه عرقلة المساعي والجهود الروسية قبل لقاء القمة بين بوتين  وأوباما.

لقد كان يوم الاعتدال الربيعي يوماً قاسياً جداً. إذ جرت فيه تحولات وتطورات عاصفة، من حيث تسلل ألوف الجهاديين والتكفيريين وتهريب الأسلحة من تركيا ولبنان والأردن، والقيام بتفجير السيارات المفخخة وزرع العبوات الناسفة، وتنفيذ الجريمة النكراء في جامع الإيمان.

وفي عيد الأم الذي صادف (يوم الاعتدال الربيعي)، وضعت وردة على قبر أمي. وتمنيت أن أجمع دموع أمهات شهداء الوطن، وأعطّر بها قبورهم. وأنا متيقّن أنها ستنبت وروداً وأزهاراً حمراء وبيضاء. وتظل شاهداً أبدياً حياً!

العدد 1107 - 22/5/2024