نصر الله لـ«السفير»: مرحلة إسقاط النظام والدولة انتهت

أجرت صحيفة (السفير) حواراً مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تنشر (النور) مقتطفات منه:

أولاً، في موضوع المقاومة في لبنان، يتحدث الإسرائيلي عن هواجسه من زوايا عدة، منها أنه يفترض أن تطور الوضع في سورية قد يشجع الرئيس الأسد  على إعطاء  حزب الله سلاحاً ما، لم يكن يعطيه في الماضي. هذا هو العنوان الذي يطرحه العدو، هو يخشى السلاح الكاسر للتوازن، هي نقطة قلق وتوتر، وكل الحجج التي يستخدمها الآن وقد استخدمها في الغارة الإسرائيلية على جنتا، في التبرير والادعاء أنها قافلة تنقل سلاحاً نوعياً، غير صحيحة.

ثانياً، صحيح أن الإسرائيلي يمكن أن يرى وجود حزب الله في سورية، عامل استنزاف، لكن هناك زاوية أخرى ينظر إليها الإسرائيلي هي أهم وأخطر بالنسبة إليه، تتصل بتراكم الخبرة عند حزب الله.

إسرائيل وما يجري في سورية

عندما بدأت أزمة سورية، تغير الإسرائيلي 180 درجة، ارتاح، هدأ، وقال مبكراً إن هذا المحور الذي خشينا أن يتشكل سرعان ما تمزق وتشرذم وتشظى. أنا لدي وضوح بأن الإسرائيلي قطعاً يفضّل كل الخيارات في سورية إلا خيار بقاء نظام الرئيس بشار الأسد. هم يفضلون كل الخيارات الأخرى. تقسيم سورية يستفيدون منه. تدمير سورية، بقاء الحرب في سورية 20 أو 30 سنة هم مستفيدون منه. هم قالوا، وأنا لا أجيب عنهم: (الرئيس بشّار الأسد والنظام في سورية هو جزء من محور: إيران، العراق، سورية، لبنان، فلسطين)، يعني حركات المقاومة.

إذا جاءت جماعات الجهاد العالمي وحكمت سورية، أولاً، ستستمر الحرب الداخلية في ما بينهم في سورية.

ثانياً، هؤلاء ليس لديهم القدرة على بناء دولة لأننا رأينا تجاربهم من أفغانستان إلى غيرها، أي أنهم لا يستطيعون أن يشكلوا تهديداً وجودياً لإسرائيل.

ثالثاً، أن جماعات الجهاد العالمي أولويتها قتال هذا المحور، وليست أولويتها قتال إسرائيل. يعني جماعات الجهاد العالمي، ستقاتل حزب الله والعراقيين والإيرانيين وحتى ستقاتل حركات المقاومة السنية التي لا تلتزم بالبيعة لها، وهذا واضح عند الإسرائيلي. لذلك هم يجاهرون بهذا.

عروض جدية للأسد

نعم، أنا أعرف أنه قدمت عروض جدية إلى الرئيس بشار الأسد مفادها: قم بتغيير هذا الاتجاه السياسي! اقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران! اقطع العلاقة مع حركات المقاومة في المنطقة! كن جاهزاً للدخول في التسوية بشكل حقيقي وكامل مع الإسرائيلي، فلا تبقى مشكلة، وهذا الموضوع كله تتم معالجته. الرئيس الأسد رفض، ويحفظ له هذا الموقف.

الجبهة المقابلة للنظام.. تتفكك

التطورات التي حصلت توصلك إلى استنتاج بأن الجبهة المقابلة، تفككت وضعفت. أقصد الجبهة التي كانت تعمل على مشروع إسقاط سورية، ولنأخذ هذه العناوين السريعة:

* أولاً،  عندما حصل التحول في مصر وعزل الرئيس محمد مرسي وبالتالي إسقاط (الإخوان المسلمين) من السلطة في مصر، حصلت تداعيات. السعودية وقفت إلى جانب الوضع الجديد في مصر، تركيا ضد، قطر ضد. إذاً أول نتيجة هي تصدع الجبهة.

* ثانياً، أيضاً (الإخوان المسلمون) كانت سورية في رأس أولوياتهم. الآن ونتيجة ما حصل في مصر انكفؤوا إلى الداخل المصري، وأصبحت أولويتهم وهمهم الأساس مصر.

* ثالثاً، الخلاف بين السعودية و(الإخوان) ينعكس على سورية، هذا من نتائج الوضع الإقليمي.

* رابعاً، المشاكل الداخلية في تركيا.

* خامساً، التحولات التي حصلت في قطر.

* سادساً، العراق كان يتصرف مثل لبنان، أي النأي بالنفس، إلى أن أصبح الواقع في العراق سيئاً إلى حد أن المحافظات السورية المحاذية للعراق أصبحت مصانع للسيارات المفخخة، في اليوم الواحد بين 10 و15 و20 سيارة، وكل التحقيقات والتوقيفات التي حصلت أوصلت إلى الجهات التي تقف خلف شبكات السيارات المفخخة، وبالتالي أدت إلى الصدام الحالي بين الحكومة العراقية وبين (داعش).. لذلك، لاحظنا أن الموقف السياسي العراقي في السنة الأخيرة، سواء في اجتماعات وزراء الخارجية العرب أم في المحافل الأخرى.. تطور بشكل كبير.

هذا فوق الطاولة. لكن ما هو تحت الطاولة مختلف نتيجة صمود النظام. الكثير من الدول العربية على اتصال بالنظام من تحت الطاولة وتقول له: (نحن معك. اصمد).

الموقف الروسي سيزداد صلابة

في الوضع الدولي، لا يوجد شك بأن الأجواء الآن أفضل. أستطيع القول إنه في السنة الأخيرة كان الموقف الروسي صامداً ومتماسكاً ولم يلن طيلة الشهور الماضية.

الأزمة السورية كان أمدها سيطول سواءً حصل ما حصل في أوكرانيا أم لم يحصل. لأن أساس الموضوع في مكان آخر. لكن في المجموع إذا أردت أن تجمع النقاط.. تستطيع القول إن ما حصل هو إيجابي لمصلحة الدولة في سورية أكثر مما هو سلبي.

مرحلة سقوط النظام انتهت

في تقديري مرحلة إسقاط النظام وإسقاط الدولة انتهت، لأنه تبين لاحقاً أن الموضوع ليس موضوع الرئيس كما فعلوا في دول أخرى، (بل) إسقاط الدولة والجيش والمؤسسات.

المعركة الكبرى التي كان يتم الحديث عنها كثيراً لم يظهر منها شيء حتى الآن، وهي أقرب إلى التهويل منها إلى الحقيقة. أقصد الحرب من جنوب سورية، والحكي عن قوات ضخمة يتم حشدها في الأردن ومنه سوف تدخل وتجتاح وتأخذ درعا والسويداء وتتقدم باتجاه دمشق، هذا جرى الحديث عنه قبل أسابيع.

الضغط على النظام يتراجع

الوضع الإقليمي والدولي تغير. في تقديري، مستوى الضغط في المرحلة المقبلة على النظام سيكون أقل مما كان عليه في الثلاث سنوات الماضية، سواء الضغط السياسي ومعه الضغط الإعلامي، أم الضغط الميداني.. الآن قناعة الحلفاء سواء كانوا دولاً أو جهات إقليمية أو قوى محلية، قناعتهم بالدعم والوقوف إلى جانب سورية أقوى من أي وقت مضى. في المحصلة، أنا أقدر أن الأمور ذاهبة في هذا الاتجاه. طبعاً، الاستحقاقات المقبلة كبيرة من دون شك، سواء المصالحات أو الحوار السياسي الداخلي أو المعالجة الداخلية. إذا هدأت الأمور، وتم الذهاب نحو إعادة الإعمار، الوضع ليس سهلاً. لكن هذا أيضاً يتم إيجاد خطط له وتجري معالجته.

الأصل أن تنتهي الحرب

الأصل بالنسبة لنا في سورية هو انتهاء الحرب. الحرب التي ستدمر سورية أو ستدمر ما بقي منها. الأصل هو انتهاء الحرب بمعزل عمن يحب من ومن يكره من ومن يقتنع بمن؟ إذا انتهت الحرب في سورية وذهبت إلى حوار داخلي ومعالجات داخلية هناك أمل بأن يتم معالجة العديد من الملفات. أهمية المصالحات أنها تقول: هنا الحرب توقفت، هنا لم يعد هناك قتال، هنا لم يعد هناك سفك دماء، هنا لم تعد هناك بيوت تهدم. هذه الأمور يؤسس عليها للمستقبل، وهذا في الحقيقة كان وما يزال يشكل هاجساً عندنا.

مشاركة حزب الله في القتال في سورية

التفجيرات التي حصلت سواءً في الضاحية أو في بئر حسن أو في الهرمل أو في اللبوة، رفعت نسبة التأييد لتدخل حزب الله العسكري في سورية، وأنا أقول هذا بناءً على استطلاعات وعلى معلومات وعلى دراسات، وليس أهواء. بل إن بعض المترددين بدلوا مواقفهم، لأننا دائماً عندما كنا نجري استطلاعات رأي في بعض المناطق، هناك مؤيد ومعارض ومتردد. المتردد أصبح مؤيداً، وحتى بعض المعارضين أصبحوا مؤيدين.

أنا أستطيع أن أؤكد لكم أن هناك مزاجاً شعبياً كبيراً يؤيد خطوة تدخّل حزب الله في سورية. وكثير من اللبنانيين، حتى داخل قوى 14 آذار، في قرارة أنفسهم يعتقدون ويصدقون ويقبلون أن التدخل في سورية يحمي لبنان أمام هذه الجماعات الإرهابية التي نرى سلوكها ونشهد ممارساتها بشكل يومي. لذلك نحن لا نشعر بغربة في هذا الأمر ولا نشعر بمزاج مخالف، بل نشعر بتأييد كبير على هذا الصعيد، وأيضاً ما يقال لنا تحت الطاولة من قوى سياسية ومن مرجعيات دينية في مختلف الطوائف يزيدنا ثقةً بهذا الموقف.

حزب الله لديه وضوح شديد، مع الأيام يزداد هذا الوضوح حول الأحداث والخيارات والمستقبل. الحزب يتعاطى بمتانة، بعزم، ليس لديه أي تردد، ليس لديه أي قلق، أيضاً لديه ثقة بالمستقبل. نحن منذ البداية كنا نعرف إلى أين ستسير الأمور لو تعاونا جميعاً، وهي تسير الآن في هذا الاتجاه، إذاً ليس هناك أي شيء يدعو إلى القلق.

وأنا أؤكد لكم أيضاً أن كثيراً مما يقال في الأماكن الأخرى هو تعبير عن تمنيات القائلين، وليس تعبيراً عن الحقائق والوقائع. أيضاً بعض الأخبار التي يتم تداولها في الإعلام، فمثلاً روجت قبل رواية تقول إن حزب الله سقط له خمسمئة قتيل في القلمون، هل يمكن إخفاء 500 شهيد على مجتمع مثل المجتمع اللبناني؟!

قبل أيام خرجت وسائل الإعلام نفسها لتروج لمدة 24 ساعة، أن المعارضة السورية المسلحة أسرت 11 أسيراً من حزب الله وبينهم شخصية مهمة، أين؟ كيف؟ من؟ عندما يلجأ الطرف الآخر إلى ضخ هذه الأكاذيب المكشوفة والمفضوحة، فإن هذا يؤشر إلى معطياته التي تقول إن الوضع المعنوي لدينا هو وضع قوي جداً، ولذلك هو يحاول المس بهذا الوضع المعنوي من خلال الأكاذيب، لأن الوقائع لا يمكن أن تساعد على المس بهذا الوضع.

العدد 1105 - 01/5/2024