الرفيق حنين نمر لـ«تشرين»: الحوار حاجة موضوعية ويجب الاستمرار به

نشرت صحيفة (تشرين) في عددها الصادر بتاريخ 18/3/2013 لقاء مع الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري (الموحد)، وتعيد (النور) نشره:

إن الحوار هو عملية ذات أوجه ونواح عدة، وهو ليس مجرد تبادل آراء بين أطراف متعددة فحسب، إننا نفهمها كعملية إعادة صياغة المجتمع على أسس جديدة بما يضمن تشكيل الدولة الوطنية الديمقراطية والتقدمية. وهنا تلحظ تأكيدنا المستمر على تلازم هذه العناصر. إن مسألة بناء الدولة المركزية في الدول النامية على أسس مدنية وديمقراطية وذات توجه اجتماعي تقدمي، هي ما نريد أن نصل إليه من خلال هذا الحوار، بل ومن خلال العملية السياسية الجارية، وحتى من خلال مكافحة الإرهاب، وحماية الاستقلال والسيادة الوطنية.

لقد اهتز مفهوم الدولة الموحدة القوية، ومعها مفاهيم التقدم والديمقراطية، إلى الدرجة التي أصبحت معها إعادة صياغة برامجنا حولها أمر مصيري. فلا تنمية ولا استقلال بدون الدولة، ولا دولة بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية ولا دولة بدون عدالة اجتماعية، التي هي في آخر الأمر المصب النهائي لأهدافنا كقوى وطنية وتقدمية.

رؤيتنا للحوار

الأحداث الأخيرة في سورية أضافت عنصراً جديداً كان مضمراً، نسبياً. لكن ثبت بالملموس أنه دخل كإشكالية جديدة في المعادلة المركبة التي نحن بصددها، أقصد بذلك قضية العلمنة والتأثيرات الطائفية والمذهبية التي اخترقت مفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية التقدمية التي نبغي، وهي في حقيقة الأمر ارتكاسة إلى الوراء، لكن حلها لا يمكن أن يتم إلا في سياق بناء الدولة من هذا النوع الذي أسلفنا.

تلكم هي رؤيتنا الاستراتيجية للهدف من الحوار، وفي ظل هذه الرؤية ننخرط في عملية الحوار الجارية في البلاد، والتي تندرج في إطارها أهداف مرحلية، ومهام عملية تمس هذه العملية مساساً مباشراً، ومنها وقف العنف والعنف المضاد، والحل السياسي، والتوجه الاقتصادي والاجتماعي، والتعامل مع الإرهاب والإرهابيين، وشكل ومحتوى النظام السياسي القادم في البلاد، واستعادة هيبة الدولة ووحدتها، ومسألة التدخل الخارجي.

لقد طرحنا منذ البداية مسألة الحل السياسي وعدَدْناها نقطة محورية، ونفهم أن الهدف منها هو دخول المجتمع السوري في عملية سياسية واسعة النطاق تستهدف إعادة صياغته من جديد لتحقيق التغيير السلمي الديمقراطي.

وقد رفض الحلف الأمريكي- الأوربي – التركي – الخليجي هذه العملية فور إطلاقها، لأن ما أسمي (بالثورة) لم يكن يستهدف تحقيق الإصلاح بل تدمير سورية، وتقطيع أوصالها كدولة، انسجاماً مع المشروع الأمريكي – الإسرائيلي بالتخلص من مراكز الثقل العربي الواحدة تلو الأخرى.

الحل السياسي

إن تحقيق الحل السياسي يعني بالدرجة الأولى إنقاذ سورية من التدمير المنهجي الذي تمارسه المجموعات الإرهابية، وتوفير ظروف أفضل لتطبيق الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية، وحماية الاستقرار في المنطقة، تلك الأمور التي لا يمكن الوصول إليها إلا بوجود سوري قوي وفاعل، وهو ما لا ترضى به الولايات المتحدة وحلفاؤها وأتباعها، ومن هنا مصدر تعثر الحل السياسي.

ولاشك أن تطورات عديدة قد حصلت بعد ذلك، أهمها الاستدارة الأمريكية باتجاه الحل السياسي، والأزمة القاتلة التي تعانيها المجموعات الإرهابية، وصمود سورية وجيشها، وقوة التحالف والحلفاء الداعمين لسورية. وهو ما انعكس على الأرض، وجعل من تنفيذ المخطط أمراً مستحيلاً.

إن الاستدارة الأمريكية هذه ليست عملية نزيهة، وهي هدفت إلى أن تحقق بالسلم ما عجزت عن تحقيقه بحرب تدخلية خارجية واسعة. إن التصريحات المتضاربة التي ينثرها الأمريكان وعملاؤهم كل يوم بل كل ساعة، وشرعنة تسريب السلاح إلى سورية من جانب عملائهم العرب، ومن قبلها هي بالذات على الرغم من الضبابية الخبيثة التي أحاطت به، لا يستقيم أبداً مع التوجه نحو الحل السياسي، إنه فقط نوع من الديماغوجية التي تستهدف تغطية دعمها لاستمرارية حرب الاستنزاف ضد سورية لإنهاكها أكثر فأكثر وسوقها إلى مائدة المفاوضات خائرة القوى.

إن ميزان القوى الحالي يسمح لها ولأتباعها بابتزاز سورية، لكن تغير الوضع الميداني، واستمرار صمود الجيش سيفقدهم الأمل بالحل العسكري ويضطرهم إلى التفاوض.

ولكن، حتى نصل إلى تلك المرحلة ستستمر حرب الاستنزاف، حتى ولو نشأ شكل من أشكال الحوار، إذ سوف يتعايش الأمران معاً، كما حصل في الفيتنام، إلى حين تحسم الأمور.

إن الحوار ليس عملية فرضتها ظروف الأزمة والمجابهة مع القوى الإمبريالية والرجعية المحلية، بل هي حاجة موضوعية كانت تفتقد إليها البلاد منذ فترة طويلة بعد تراكم أزماتها الاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب الخيار الديمقراطي واحتكار السلطة وتفشي الفساد.

لقد أحسنت الدولة بالفعل بإطلاقها مبادرة سياسية هامة، ومن يرفض التعامل معها يكون إما فاقداً للواقعية السياسية أو مخطئاً خطأ كبيراً في تقدير ميزان القوى ومزروعاً بأوهام ثبت بطلانها حول إمكان القضاء على الدولة السورية ونظامها بالقوة المسلحة الخارجية والداخلية.

ومع ذلك فإن الدعوة السورية لعودة المعارضين واشتراكهم بالحوار يجب أن تبقى مستمرة ومتكررة، ويجب فعل كل ما يمكن فعله لفرز المعارضين المنادين بالإصلاح، عن أولئك المرتبطين بالمخططات الخارجية.

وإذا افترضنا استمرار مقاطعتهم للحوار تحت أي مسمى كان، فإن الحياة لن تتوقف، ويفترض الاستمرار بالحوار بين مختلف أطياف ومكونات المجتمع السوري بأكثريته الساحقة التي لا تقتصر على أحزابه السياسية المؤيدة والمعارضة، بل تتعداها إلى كل خلية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية ودينية وتجمعات المجتمعَيْن الأهلي والمدني ومنظمات شعبية، وهيئات نسائية وحماية البيئة وعشائر وغيرهم.

وهنا نتوقف لنقول: إن نجاح مثل هذا الحوار المجتمعي العريض يتوقف على طريقة الدعوة إليه، وعلى طبيعة المشاركين فيه، فالدعوة إليه كان يجب أن تصدر عن أشخاص وهيئات يغلب عليها طابع الاستقلالية والحيادية، إضافة إلى حزب البعث وأحزاب الجبهة والأحزاب الجديدة المرخصة. كما أن المندوبين إلى طاولة الحوار يجب أن يعكسوا هذا الطيف الواسع من المجتمع، وألا يكونوا ظلاً لحزب من الأحزاب، بمعنى أن يشعر المواطنون أن هناك شيئاً قد تغير، وأن بنى جديدة لأجهزة الحكم قد نشأت.

كما يجب أن تصل القناعة إلى المسؤولين في السلطة أن المادة 8 من الدستور القديم قد ألغيت وحلّت محلها مادة جديدة تدعو إلى المجتمع الديمقراطي التعدّدي، وبالتالي لم يعد هناك تمييز بين مواطن وآخر على أساس الانتماء الحزبي، ولا امتياز لهذا دون ذاك على هذا الأساس.

بالطبع، هناك عنصر عدم الثقة في العلاقة بين المواطنين وأجهزة السلطة المختلفة. وترميم هذه الثقة يحتاج إلى زمن طويل، لكنه، على المدى القريب، ومن أجل تشجيع الدعوة إلى الحوار، لابد من إجراءات إذا اتخذت، من شأنها أن تريح ألوف العائلات، وعلى رأسها إطلاق سراح الموقوفين على أساس سياسي، والمحتجزين الذين تمضي عليهم شهور قبل أن يصل دورهم في التحقيق، وكذلك المفقودين الذين لا يعرف أهلهم مصيرهم.

العدد 1105 - 01/5/2024