من الصحافة العربية العدد 624

(الإخوان) في مرحلة الاحتضار

كان عهد (الإخوان) في مصر يقف إلى جانب المعارضة السورية التي استوردت المقاتلين العرب والأجانب من مختلف البلدان القريبة والبعيدة. ومع سقوط حكم (الإخوان) في مصر، سقط حكم المقاتلين في سورية. التوقيت كان مصادفة حقيقية، حتى صار وجود (الإخوان) في مصر من الضآلة بحيث لا يقاس بوجود الثورة ووجود القوات المسلحة، وصار وجود (الإخوان) والتعضيد الأجنبي لهم في سورية متراجعاً عددياً وقتالياً.

التغيير الذي حدث في مصر جعل للثورة المصرية وموقف القوات المسلحة المؤيد لها انتصاراً للعقلية الثورية في الوطن العربي. وأصبح الموقف المصري الرسمي من التطورات الجارية في سورية يدعو إلى حل سياسي. وتجلى الموقف المصري الرسمي والشعبي في رفض منح مقعد سورية في جامعة الدول العربية للمعارضة، التي تتمثل في معظمها من المقاتلين الأجانب أكثر مما تتمثل في جماهير شعبية من السوريين. كان ذلك خروجاً على المواقف والسياسات السعودية وما شابهها، في وقت بدا فيه للجميع، أن الموقف المصري قد ضمنته السعودية في صفها، بعد المبالغ الضخمة التي أمدت بها السعودية الخزانة المصرية في أحرج ظروفها. وقد وصف الموقف السعودي في مساعدة مصر مالياً بأنه موقف اتسم بالكرم والمودة. ولم يكن أحد ليتصور أن بإمكان مصر أن تتخذ أي قرار أو تتبنى أي موقف يعارض السياسة السعودية من أي جانب.

ولكن الموقف المصري إزاء سورية جاء ليؤكد أن المساعدات المالية السعودية لم تحاصر موقف مصر السياسي. وربما يمكن أن نضيف أن مصر أرادت بهذا الموقف أن تؤكد أنها لا تتوقع من السعودية أن تفرض بمساعدتها المالية سياسات محددة لا تتماشى ولا تتفق مع رؤية مصر للتطورات العربية أو الإقليمية أو العالمية.

تمسكت مصر بسياستها تجاه سورية، وتمسكت السعودية بسياستها تجاه سورية، واستمر تناقض السياستين المصرية والسعودية إزاء سورية. استطاعت مصر أن تتمسك بموقفها، واستطاعت السعودية أن تواصل سياسة المعارضة تجاه سورية. وعلى الرغم من أن الأحداث السورية أظهرت في الشهور الأخيرة مقدرة لدى القوات النظامية السورية، إلا أن الموقف السعودي تجاه تطورات سورية لم يتغير. وربما عزا بعض المراقبين هذا الثبات في الموقف السعودي إلى تأييد أمريكي، تأكد كنتيجة لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما السعودية ومحادثاته مع الملك السعودي عبد الله.

وصحيح أن مواقف مصر الرسمية في داخل القمة العربية لم تتعارض إلا إزاء السياسة السورية، إذ اتخذت مصر مواقف لم تتناقض مع مواقف السعودية أو سياساتها إزاء مختلف القضايا باستثناء قضية سورية ـ إذا جاز التعبير – وربما لهذا لم تهتم السعودية بإظهار معارضتها لموقف مصر إزاء هذه القضية. أو ربما تكون السعودية قد قررت أن تؤجل اتخاذ موقف يظهر المعارضة مع الموقف المصري إزاء سورية إلى وقت لاحق يكون فيه للسعودية فرصة أكبر لتحقيق نجاح سياسي في القضية السورية. وهذا أمر مستبعد بحكم التطورات الجارية في سورية، وأيضاً بحكم التطورات المتوقعة خلال وقت قصير في السعودية، حيث ينتظر أن تحدث تغيرات في الحكم السعودي قد يكون لها تأثير في اتجاه السياسة السعودية تجاه سورية وتجاه الوضع العربي بكليته. وهو أمر ليس مستبعداً بأي حال. في الوقت نفسه فإن تأثيرات الموقف المصري على السياسات السعودية ـ خاصة إزاء الشأن العربي ـ قابلة للتطور باتجاه مزيد من الوئام مع الموقف المصري. ذلك أن الحرب المشتركة التي يخوضها البلدان ضد المحاولات الإخوانية تبدو قابلة لمزيد من التنسيق.

وبينما يبدو (الإخوان) في حالة تراجع، ليس فقط إزاء مصر وسياساتها، إنما أيضاً إزاء السعودية وسياساتها، فإن الأمر المتوقع يكون باتجاه تراجع (الإخوان) قوة وعدداً، ليس فقط في أرجاء الوطن العربي، إنما أيضاً في أرجاء أوربا والعالم بلا استثناء.

والأمر الذي لا شك فيه أن موقف قطر قد بدأت تظهر عليه علامات التراجع. يشهد على ذلك ما يبدو الآن من حيرة الزعامات الإخوانية ـ خاصة التي فرت من مصر ـ في البحث عن إقامة أوربية بديلة من قطر. كما يشهد على ذلك أيضاً اهتمام قطر نفسها بتعديل سياساتها على نحو يبدو عليه الأسف إزاء ما جرى في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وهو ما يعني التراجع عن الوقوف في صف (الإخوان) ضد النظم المناهضة لهم. وهذه تغييرات ينتظر أن تبدو بوضوح خلال الأشهر المقبلة.

وعلى هذا الأساس ليس من المتصور أن ينجح أي تحالف مع (الإخوان) من جانب قطر والولايات المتحدة أو من جانب تركيا في مواجهة السعودية ومصر وباقي الدول العربية وإيران في منطقة الشرق الأوسط. لقد تبدلت حظوظ (الإخوان) سريعاً خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة لأحداث مصر وتأثيراتها على المنطقة ككل. فلم يعد لـ(الإخوان) مركز في الوطن العربي يمكن الاعتماد عليه في توجيه صدمات أو ضربات إلى الأقطار العربية المناهضة لـ(الإخوان). لقد أصاب التشتت القوى الإخوانية (الدولية) حيثما كانت، منذ أن لحقت بها الهزيمة في مصر. ومن المؤكد أن يزداد ضعف (الإخوان) في الفترة القصيرة القادمة تحت تأثير الضعف الذي أصاب ويصيب تنظيم (الإخوان) المصري، وأيضاً تحت تأثير الضعف الملحوظ الذي أصاب ويصيب التنظيم الإخواني الدولي. لقد وصلت حالة الضعف في التنظيم الدولي إلى حد لم يعد من الممكن معه تصور رضوخ أي قوة داخل أي قطر في العالم لضغط إخواني.

ومن المؤكد انه لم يعد يمكن التعويل على الأموال التي يملكها (الإخوان) في داخل التنظيم الدولي. لقد أصاب الضعف ومن ثم الفشل تنظيم (الإخوان) على الرغم من امتلاكه هذه الأموال الضخمة التي تقدر بعشرات المليارات في أقصى قدراتها.

إن الضعف في جسم تنظيم (الإخوان) ينبئ بأن هذا التنظيم إنما يقطع الآن خطواته الأخيرة. لقد بدأت نهاية تنظيم (الإخوان) بما أصابه من ضربات قوية في مصر. وفي الوقت نفسه التفكك الذي أصاب التنظيم في السعودية حيث لم يعد قادراً على التأثير على سياسات المملكة الخارجية.

من كان يمكن أن يظن أن (الإخوان) يصلون إلى السلطة في مصر وتنهار سلطتهم بهذه السرعة؟

سمير كرم

(السفير) 25/4/2014

العدد 1105 - 01/5/2024