ما الذي سيقوله أوباما لأتباعه؟

بعد شهرين، سيستدعي الرئيس الأمريكي أوباما أتباعه من حكام تركيا وقطر والأردن للاجتماع به في واشنطن.. ومن الواضح أن الأزمة التي تعصف بسورية وتداعياتها الإقليمية والدولية، ستكون الموضوع الرئيسي لذلك الاجتماع، بعد أن يكون السيد أوباما قد تشكلت لديه ملامح وتصورات سياسته المقبلة حول الوضع السوري.

ومن الآن فصاعداً، سوف ينشغل العالم بالتنبؤات والتقديرات والاحتمالات والسيناريوهات المختلفة لتطور الأحداث، وبالسياسة التي ستمارسها الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة الانتقالية.

ومن المؤكد أن أوباما الذي وعد منذ وقت غير بعيد، بأن سياساته ستكون (أمريكانية) أكثر منها (عالمية)، سيشرح لأتباعه هؤلاء حجم المصاعب التي واجهها منذ أن أخذ على عاتقه منذ أكثر من عامين إسقاط الدولة السورية، والمجيء بنظام إلى سورية ينفذ المخطط الأمريكي -الإسرائيلي، وضرب وعوداً بالأسابيع والأشهر لتنفيذ حلمه المستحيل هذا، دون جدوى.

فقد فشل في تمرير قرار دولي ضد سورية، فاصطدم بالحاجز الصلب الذي تجسد بالفيتو الروسي- الصيني المزدوج، وشجع الحكومة التركية على زج قدراتها العسكرية لشل القدرات العسكرية السورية، ففشل أمام صمود الجيش العربي السوري. وشجع على استقدام إرهابيي العالم الذي يفترض بهم أنهم أعداؤه التقليديون، فانفضح أمره، وأصبح تدفق الإرهابيين إلى سورية مشكلة حقيقة في الدول التي تجندهم وتسهّل لهم الذهاب إلى (أرض الجهاد) في سورية. وسوف يتحول هذا التواطؤ الأمريكي – الأوربي مع الإرهابيين إلى فضائح متفاقمة أكثر فأكثر أمام شعوب العالم.

سيقول لهم إنه راهن كثيراً على تعميق الانقسام السوري- السوري حتى يصل به إلى درجة تفتيت الدولة السورية وتقسيمها إلى دويلات، ولكنه سيأسف للقول إنه استطاع بلا شك أن يجرح سورية ويكيل لها طعنات غادرة ومؤلمة، ولكنه لم يستطع أن يمحو سورية من الخريطة العربية والإقليمية، وبقيت سورية الدولة التي إذا اهتز الوضع فيها، اهتز معه الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وربما في العالم.

الحق يقال.. إن أوباما سيصارح أتباعه هؤلاء أنه أعلن منذ اندلاع الأزمة السورية عن عدم اعتزامه إرسال قوات مسلحة أمريكية للحرب على الأراضي السورية، أو لقصفها وفق السيناريوهات اليوغسلافية أو العراقية أو الليبية، وأنه شجع وسيشجع حلفاءه الأوربيين، خاصة في فرنسا وبريطانيا، على توريد الأسلحة للمجموعات المسلحة في سورية، ولكنهم تخاذلوا عن ممارسة هذا الدور علانية، لأنهم يعيشون ضائقة مالية شديدة تهدد كيان أوربا الموحدة، وأنهم ليسوا مستعدين للعب دور شهود الزور في عملية التفاوض الروسي- الأمريكي القادم، والخروج في النهاية (من المولد بلا حمّص).. لكنه لا شك سيبدي ارتياحه لأن بعض الأوربيين لم ينقطعوا عن تزويد المعارضة المسلحة في سورية بأحدث العتاد والتجهيزات العسكرية المتطورة، وسيكيل المديح أكثر لأردوغان الذي أقام معسكرات التدريب وفتح الحدود أمام قطعان المرتزقة التكفيريين للتسلل إلى سورية وضربها من الداخل، وسيعلمهم أوباما أيضاً، إن كانوا لا يعلمون، أن بلاده تعاني عجزاً في موازنتها قدره 4 تريليونات دولار، وأنه بصدد ولوج مرحلة تقشفية تنال من ميزانية الأسرة الأمريكية، وهو يحضّر للانسحاب من أفغانستان لدوافع عدة أهمها الأزمة الاقتصادية.. وهو بلا شك سوف يكيل آيات المدح لأمير قطر، لأنه يأخذ على عاتقه تمويل الحرب على سورية بمليارات الدولارات كما هو معلوم، لكن إمارة (قطر) ليست في نهاية الأمر (المملكة العربية العظمى) التي لا تتزعزع أمام الرياح العاصفة إن هبت عليها يوماً.

– سيتحدث أوباما بلا شك عن مخاوفه المتزايدة من تنامي القدرات العسكرية الروسية التي يعلن الروس جهاراً عن أنها ستستخدم لحماية الاستقرار في المنطقة، وهو يفهم بالضبط معنى ذلك، كما سيبلغهم تخوفه من العنوان الذي وضعته روسيا لسياستها الخارجية، وهو إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية وبناء عالم متعدد الأقطاب، والذي يعني في نهاية المطاف الانتهاء من التفرد الأمريكي في إدارة شؤون العالم.

وسيكون على مائدة المفاوضات، بالتأكيد، الملف النووي الإيراني الذي يعكس القدرات العلمية والعسكرية المتنامية لإيران، ولدورها المتزايد في القضايا الإقليمية. ولانعلم بالضبط ما الذي سينصح به أوباما، المجتمعين في مكتبه من الخليجيين، لتوتير العلاقة مع إيران، استمراراً لسياسة حافة الهاوية. وبالطبع سيكون الوضع العربي على الطاولة، وسيلاحظ الجميع أن سورية لم تنعزل، برغم القرار الكاريكاتوري- المهزلة بإشغال مقعدها في الجامعة العربية بمجموعة هزيلة لا تمثل إلا نفسها بدلاً من الدولة الشرعية، وهي سابقة قانونية خطيرة تعبر عن انحطاط أخلاقي فيما يسمى الديمقراطية الأمريكية.. كما سيتطرقون للسقوط المدوي لتجربة حكم (الإخوان المسلمين) في مصر وتونس.

– وسيفرد للأردن وضعاً خاصاً، فهذه الدولة التي يتوثب فيها الإخوان المسلمون للقفز إلى السلطة، رغم التركيبة السكانية والسياسية المعقدة، وسيبحث بالتفصيل إمكان تحويل المملكة إلى منصة لهجوم عسكري على سورية بمساعدة بعض المجموعات السورية المسلحة، وسيكون الملك الأردني، في هذه الحالة، بوضع لا يحسد عليه، فهو إن قبل بالقيام بهذا الدور، فسيتعرض نظامه للاهتزاز بالكامل، وإن رفض فسيتعرض لضغط أمريكي وللحرمان من المساعدات التي يعيش عليها اقتصاده، فعلى أي بر سيرسو هذا النظام؟

أمام هذه المعطيات وغيرها أكثر، تسير السياسة الأمريكية بحذر شديد، وتستعمل هامشاً واسعاً من المناورة والخداع وبيع الأوهام، تقطيعاً للوقت بانتظار اجتماع واشنطن المفترض في حزيران بين أوباما وأتباعه.

فهو يعطي التطمينات بعدم التدخل المباشر، ولكنه يمارس التدخل غير المباشر، وهو يطالب المعارضة بالحوار بين السلطة والمعارضة، ويطالب في الوقت نفسه بسحب الاعتراف بالدولة السورية من الجامعة العربية، ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يدعم وثيقة جنيف تارة، ويتجاهلها تارة أخرى.

– هي المناورة واللعب بالأوراق بعينها، والاستمرار في إنهاك سورية وإضعافها إلى أقصى درجة ممكنة، وبجميع الوسائل والاتجاهات، حتى إذا جرت مفاوضات حول مستقبل أزمتها تكون في أسوأ أحوالها.

– لكن سورية ستبقى الدولة الصامدة العصية على الركوع أمام المخططات الاستعمارية والصهيونية، وستتابع نضالها من خلال الحوار المؤدي إلى حل سياسي، يوصلها إلى شاطئ الأمان، وإلى التغيير السلمي الديمقراطي، وإلى النهج الاقتصادي والاجتماعي التقدمي.

العدد 1107 - 22/5/2024