فرنسا وبريطانيا تتجهان للتسليح خوف من التورط وأسباب متعددة

بعد إعلان فرنسا وبريطانيا مشروعاً للتمرد على الاتحاد الأوربي قبل غيره، بدأتا مظاهر تراجع وتردد فيما قالتا إنهما مزمعتان عليه من تسليح للمعارضة السورية. وبدا الإعلان كأنه صدر دون رغبة في تبنيه. فقد تعددت تصريحات من الجانبين تخفف من وقعه، ولاسيما أن محاولة أخرى لدفع الاتحاد الأوربي إلى التساهل في إلغاء الحظر على تصدير السلاح إلى سورية لم تنجح. بل إن موقف بعض الساسة الغربيين (وزير خارجية ألمانيا مثلاً) أظهر استغراباً بشكل ما لذاك الإعلان، محاولاً تخفيف وقعه على أطراف متعددة في العالم، بينها الولايات المتحدة التي عادت وأيدت على استحياء الدولتين الحليفتين.

تتأثر الدولتان الاستعماريتان في موقفهما المفاجئ، في حماسته لا في محتواه، بعدة عوامل ضاغطة، لكن ليس لأي منها ولا لها مجتمعة أن تحدث تلك الحماسة المتهورة لولا التاريخ الاستعماري لهما. ويبدو خاطئاً كل من يعتقد أن الدولتين – ولاسيما بريطانيا – تجاوزتا العقلية الاستعمارية العدوانية المعروفة عنهما. حتى الولايات المتحدة التي كثيراً ما تتعرض لغضب الشارع العربي بسبب سياساتها المعادية له عموماً، تراها في الأزمة السورية أقل حماسة لنشر مزيد من الأسلحة في سورية من الدولتين الأوربيتين، وأيضاً ممن يلحق بهما من عربان النفط والحالمين بعضوية الاتحاد الأوربي، تعويضاً عن مساهمة أوربا بإسقاط السلطنة العثمانية. علماً أن الولايات المتحدة هي من أكثر الدول سعادة بخراب سورية الذي يقع ؟! لكنها معنية برؤية التطورات وما يحيط بها من احتمالات التغيرات في المنطقة والعالم، ولاسيما من جانب روسيا وإيران. تعيد المواقف الدولية من المسألة السورية إلى حد ما شيئاً من ذكريات التحالف الفرنسي البريطاني الإسرائيلي في العدوان الثلاثي على مصر عام ،1956 إذ تتحالف دولتا الاستعمار القديم مع قوى في المنطقة لا تبعد عنها إسرائيل كثيراً، في حين تبدو الولايات المتحدة وروسيا غير معنيتين كثيراً بهذه الحماسة. ولا تزالان تبحثان عن وقف للعنف واتجاه للسلام، وإن كانت الأحداث لم تستعد بعد الرفض الأمريكي المعلن المحذر من التمادي في العدوان في عام ،1956 ولا إنذار (بولغانين) الشهير في ذاك الزمان. من المؤكد أن الدولتين الاستعماريتين لا يرضيهما التفاهم الروسي الأمريكي المحتمل، واحتمال أن يضعهما خارج اللعبة لتكتفيا بالأجور المقررة من قطر والسعودية، التي تحتاج أيضاً إلى الموافقة الأمريكية. عليهما، ومعهما العالم، أن ينتظروا الحراك الأمريكي المتوازن مع الحراك الروسي النشط، وهو ما يسير بسرعة تقترب من سرعة السلحفاة، لأنه كما قلنا: الولايات المتحدة مرتاحة جداً لاستمرار خراب سورية. ولا شك أن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ومعهم إسرائيل يرضيهم استمرار تدفق السلاح الممول خليجياً إلى الساحات السورية، وفي ذلك استجابة لضغوط شركات تصنيع الأسلحة وتجارها. وهو ما يزيد من التعقيد الذي يحيط بفرص الحلول السياسية التي تضيق من حولها السبل لتنفرج من حول الحلول العسكرية.. يبدو أن انتظارنا سيطول؟!

العدد 1104 - 24/4/2024