الاستحقاق الوطني الرئاسي في ندوة لفرع اتحاد الكتاب العرب بدمشق

نمر: تلازم الأهداف الوطنية والتقدمية والديمقراطية

تحت عنوان (الاستحقاق الوطني وتحديات المرحلة) أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، بالتعاون مع ثقافي أبو رمانة، ندوة سياسية ثقافية لبحث الاستحقاق الرئاسي وما يكتنفه من تحديات وعراقيل لإفشاله في ظل الحرب الكونية على سورية، مع مناقشة أسباب الأزمة الراهنة وتداعياتها وتقديم رؤى للخروج منها، إضافة إلى تسليط الضوء على دور المثقف المغيب وأهمية عودته لقيادة الشارع، وذلك يوم الاثنين 12 أيار في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة.

البداية كانت مع الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، الذي بيّن أنه على الرغم من شراسة الحرب الكونية على سورية إلا أنها كانت غنية بالدروس والاستنتاجات، وحريّ بالهيئات دراسة ما أفرزته هذه الحرب فكرياً وثقافياً وسياسياً على بلدنا وعلى المنطقة عموماً.

وأشار نمر إلى أن استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية هو جزء من عملية شاملة من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبيّن أن الضغوط الحالية لإفشال الانتخابات أو إلغائها ما هي إلا عادات استعمارية ألفناها، وتنمّ عن استمرار عقلية الهيمنة والسيطرة على العالم التي تحاول الامبريالية ممارستها.

وبيّن نمر أن الحزب الشيوعي السوري الموحد أيّد ترشيح بشار الأسد لرئاسة الجمهورية وجاء ذلك على أساس البرنامج والتصورات التي طرحها منذ توليه الرئاسة عام 2000 وقرن ذلك ببعض الإصلاحات في مختلف المراحل، كالدستور الجديد (2012) المبني على الديمقراطية والتعددية، وقانون الانتخابات والأحزاب والتظاهر السلمي ورفع حالة الطوارئ، إضافة إلى توجهات لإجراء تعديلات دستورية لتحديد طبيعة النظام السياسي القائم (برلماني، رئاسي، مختلط..) مؤكداً أنها مسألة جوهرية. ولفت إلى أن نجاح الإصلاحات التي تمت لم يكن بالأمر اليسير خاصة مع وجود الكثير من العقليات التي لم تتغير، وشدد على ضرورة تذليل كل ما يعيق تنفيذ هذه الإصلاحات.

أما ما يتعلق بالناحية الاقتصادية والاجتماعية التي طرح حولها آراء عديدة ولم تستقر البلاد بعد على نهج اقتصادي واجتماعي محدد، فتساءل الأمين العام للشيوعي السوري الموحد: هل شعارنا الاشتراكية، أم اقتصاد السوق، أم غيره؟ وكيف يجري توزيع الثروة حالياً؟ وهل كتلة الرواتب والأجور من الدخل الوطني تناسب غالبية الناس؟! وشدد على ضرورة أن تقود الدولة النهج الاقتصادي والاجتماعي بطريقة تكفل العدالة الاجتماعية وتحقق المساواة لجميع المواطنين.

وختم نمر حديثه بالتركيز على أن إعادة البوصلة إلى وضعها الطبيعي مهمة الوطنيين الشرفاء، وكما أن الأزمة التي عشناها مركبة فإن طريق الخلاص منها متعدد الأوجه، وهذا يقتضي تحقيق معادلة التلازم بين الأهداف الوطنية والتقدمية والديمقراطية، وهذا التلازم دقيق وأي خلل فيه سيؤدي إلى ضياع البوصلة والوقوع في الأخطاء.

القادري: ضرورة عودة المثقف لقيادة الشارع

أما الرفيق جمال القادري أمين فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي، فبين أنه بعد دخول الحرب عامها الرابع أصبح واضحاً أنها لا تستهدف حزباً ولا نظاماً ولا مكوناً بعينه بقدر ما تستهدف وطناً ببناه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورأى أن الحرب هي نتيجة تناقض أساسي بين مشروعين، الأول: تقدمي وطني تنويري، والآخر تكفيري ظلامي يسعى لإعادتنا إلى العصور الحجرية.

واعتبر القادري (أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو تحد ثقافي، فسقوط بعض أبناء شعبنا في فخ الإعلام المُضلل جاء نتيجة الفراغ الفكري، إضافة إلى استخدام السلاح الأقذر في محاولة إسقاط سورية وهو تسويق الفكر الوهابي)، ولفت إلى أنهم نجحوا في بعض المراحل، (لكن النسيج السوري بتركيبته المميزة كان عصياً على هذا الفكر التدميري).

ولملء الفراغ الثقافي الذي ظهر واضحاً لدى بعض أجيالنا اليوم، أكد القادري ضرورة عودة المثقفين لقيادة الشارع، فغيابهم ترك القيادة لـ(الزعران) وهو ما لمسناه في معظم المناطق التي ظهرت فيها توترات، وأكد إعادة النظر بمنتجاتنا الفكرية والأدبية بحيث تكون أكثر واقعية وقرباً للجمهور، ونبه إلى أهمية تعميق الانتماء الوطني وتنفيذ مشروعنا النهضوي والمضي به، إذ إن الأزمة أفرزت أن هناك من هم غير وطنيين وغير قوميين، فمن قام بتدمير مشفى أو جامعة أو استهدف العمال هو ليس بوطني، واعتبر أن التحدي الأكبر اليوم هو تحدي إعادة بناء البشر والحجر.

ورأى القادري في ختام كلامه أنه بعد الخروج من الأزمة علينا إعادة قراءة ذواتنا لمواجهة التحديات الوطنية، مؤكداً أن تنفيذ الاستحقاق الرئاسي اليوم يعطي رسالة للعالم أن السوريين لا يسيرون إلا وفق أجندتهم الوطنية والتشريعية الدستورية مهما بلغت الضغوط، وأنه لا أحد غيرهم يستطيع أن يرسم مستقبلهم.

جمعة: الاهتمام بالشباب وتأسيس مفهوم المواطنة

ورأى د.حسين جمعة، رئيس اتحاد الكتاب العرب، أن نزيف الوعي لم يكن مقتصراً على الاتجاه الديني فقط وإنما كان لبعض العلمانيين والتيارات العلمية دور في ذلك، لاسيما عندما ظهرت مغطاة بالتيارات الوطنية، فاشتد تأثيرها على مجتمعنا، وبيّن أن المثقفين كانوا تابعين للقرار السياسي في السابق، وقال: (عندما يكون المثقف وصولياً وانتهازياً لن يكون قائداً إلا إلى الخراب).

ورأى أن الاستحقاق الرئاسي الذي يأتي في مرحلة من أدق المراحل وأصعبها في تاريخ سورية الحديث سيؤدي إلى حل سياسي للأزمة الراهنة على الرغم من كثرة التحديات التي تواجه الدولة السورية، ونبه إلى أن الاستحقاق الوطني يشكل اليوم حلقة هامة من حلقات الدفاع عن الذات والهوية والوجود والوطن، وهو مبدأ أصيل وحقيقي من أجل ممارسة الديمقراطية ورسم ملامح سورية المستقبل التي ستقضي على كل أشكال الهيمنة وعملائها وملوكها في المنطقة، وأكد أن الاستحقاق يعني استمرار الدولة في أداء مهماتها المنوطة بها من خلال إنجاز المصالحة الوطنية والارتقاء بها وإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد الوطني، وأشار أن الاستحقاق الرئاسي مقدمة للعبور إلى المستقبل الذي يستند لبناء الدولة السورية الحديثة التي نريد.

وأشار جمعة إلى مجموعة تحديات تواجه سورية حالياً وعلى رأسها الملف الإنساني ورعاية ذوي الشهداء والجرحى الذي يعد أولوية لدى الدولة السورية للمرحلة الراهنة والقادمة، وأكد أن الدولة مسؤولة عن رعاية جميع مواطنيها، ولهذا سعت لإيجاد أماكن بديلة لأماكن النزوح، وشدد على ضرورة الإسراع بإيجاد الحل المناسب للاجئين السوريين في الداخل والخارج، كما جهدت الدولة لإنجاز المصالحة الوطنية في عدد من المناطق. وأكد أن إشاعة روح التسامح والمحبة بين السوريين هي التي تؤكد حق الحياة دون وصاية من أحد، ونبه لأهمية توسيع مناخ الديمقراطية وتأسيس مفهوم المواطنة بأبعاده القانوني والاجتماعي والسياسي وفق مبادئ الحريات العامة والحقوق والواجبات، كما أكد ضرورة الاهتمام بالشباب وحياة المواطنين، وشدد على وضع برامج وإعادة عجلة الإنتاج لمواجه التحديات الراهنة.

نقاشات عديدة

وتركزت مداخلات الحضور بعد ذلك على بعض القضايا التي لعبت دوراً في الوصول إلى الأزمة الراهنة، ومنها عدم بناء الإنسان لا فكرياً ولا دينياً ولا سياسياً، فقد لعبت المراكز الثقافية والدينية دوراً في ذلك. وأشار الحضور إلى تكرار الخطاب السياسي في كل مناسبة، مؤكدين وجود خلل ليس ثقافياً وحسب، وإنما سياسي واجتماعي واقتصادي، وأشاروا إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي بوصفه كان حزباً قائداً للدولة والمجتمع قد أغفل قيادة المجتمع، لم يستطع بناء الإنسان المؤمن الحقيقي بعقلية الحزب.. ومن ناحية أخرى أدت السنوات السابقة من التهميش الاجتماعي وتفكيك القطاع العام إلى زيادة معدلات العاطلين على العمل والفقراء، وهو ما دفعهم للخروج مطالبين بلقمة العيش.

وفيما يتعلق بالمصالحة الوطنية أكدوا ضرورة أن تبنى على الثقة وليس على مبدأ الغالب والمغلوب، وشدد الحضور أيضاً على أهمية الاهتمام بالشباب وتأمين فرص عمل لهم، فهم أساس عملية التنمية المنشودة.

ويذكر أن الرفيق باسم عبدو، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، أدار الندوة، ونوه إلى طبيعة المرحلة والأزمة المعقدة التي تداخلت فيها عوامل داخلية وخارجية، تستحق القراءة والدراسة، خاصة ما نتج عنها من إفرازات وعن المرحلة الانتقالية ومتطلباتها ومستقبل سورية الذي يتطلب عقد مؤتمر وطني واسع وشامل، يصدر عنه ميثاق وطني، يضع خريطة طريق لسورية المستقبل، تشارك فيه مكونات المجتمع السوري.. خريطة تؤكد إحداثياتها وتركز على التعددية والعلمانية والديمقراطية.

العدد 1105 - 01/5/2024