الاكتئاب يجتاح سورية

لا يقل مرض الاكتئاب أهمية عن غيره من الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجاً طويل الأمد، وإن كان لا ينظر إليه في مجتمعاتنا بعين الجدية حتى فترة قريبة، كغيره من الأعراض النفسية التي تؤدي إلى تغيّر في نمط حياة المصابين به وسلوكهم.

في ظل الظروف الراهنة المنتشرة في سورية، تساهم عوامل شتى في الإصابة بهذا المرض، فالآثار السلبية للصراع الدائر لا تستثني أحداً ويعاني الجميع من فقدان عزيز، أو دمار مُلك، أو ضياع مستقبل ..الخ من المآسي التي لا تعد ولا تحصى.

ونلحظ انتشار أعراض الاكتئاب عند كثيرين، فإن أمعنّا النظر حولنا لا نجد من لا يعاني حالياً من اضطربات في النوم، وعصبية وكآبة دائمين، أو صعوبات في التركيز أو التذكر، وينتاب بعضهم بكاء مفاجئ دون أسباب واضحة، وانعدام الثقة بالنفس وحتى الشعور بالتعب المفرط دون القيام بأدنى جهد، وآلام في الرأس والظهر، وانعدام الرغبة في ممارسة الجنس.. إلخ.

تختلف حكماً أعراض الاكتئاب من شخص إلى آخر حسب عمره وجنسه وبيئته وثقافته..، ولكن ما هو مشترك بين جميع المصابين بالاكتئاب هو أنهم أشخاص حزينون عموماً لا يستطيعون للفرح سبيلاً، وتفاقم هذه الأعراض تؤدي إلى نتائج قد تصل عند البعض إلى الانتحار، أو الإدمان على المخدرات أو الكحول، عدا أمراض القلب وغيرها، وتؤثر حكماً على العمل والدراسة والعلاقات الأسرية، وقد تكون من العوامل المؤدية لانتشار ظواهر كالطلاق والعزلة الاجتماعية..

لا يستثني هذا المرض حتى الأطفال والمراهقين الذين بتنا نلحظ تغيرات واضحة في أمزجتهم وحالاتهم الصحية، عدا الاضطرابات السلوكية التي أصبحوا يخسرون بسببها كثيراً من مكتسباتهم، سواء في البيت أو المدرسة من مكانة واحترام عند أهلهم أو معلميهم وأصدقائهم، إضافة إلى انعكاس سلبي على مستويات التحصيل لديهم، وتجدر الإشارة إلى تلقّي الأطفال ضغوطاً من قبل الأهل المكتئبين في المنزل، والمعلمين المكتئبين في المدارس مما يجعلهم ضحايا مضاعفين لهذا الاضطراب.

لا يشير الاختصاصيون إلى وجود طرق للوقاية من الاكتئاب، إلا أن العمل على الحد من التوتر والمساهمة بزيادة مستوى السعادة وإعلاء شأن الذات، والتفريغ النفسي أثناء الأزمات قد يساهم في التغلب على الاكتئاب والحد من تطوره، وهذا يستدعي زيادة الاهتمام في هذه المرحلة وعلى جميع الأصعدة التربوية، والتعليمية، والإعلامية، ببرامج الدعم النفسي التي ما تزال تعاني قصوراً واضحاً، ليس في المدارس وحسب وإنما في جميع قطاعات الدولة التي يمارس بعضها ضغوطاً على العاملين فيها تزيد من كآبتهم في ظل الظروف الصعبة الحالية.

لا نبالغ إذا قلنا إن الاكتئاب اجتاح نفوس السوريين صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، كوباء يستدعي إطلاق صفارة الإنذار للحد منه قدر الإمكان وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فرح في قلوب السوريين.

العدد 1107 - 22/5/2024