المفتاح عند الحداد

لم تكن الأهزوجة وحدها فقط هي التي تتحدث عن المفتاح الضائع في دائرة مغلقة لا مخرج منها إلا بقطع الأنفاس: (الصندوق بده مفتاح.. والمفتاح عند الحداد.. والحداد بده بيضه.. والبيضة عند الجاجة.. والجاجة بدها علف.. والعلف بالطاحونة.. والطاحونة مسكرة.. فيها ميّه معكّرة).

هكذا أيضاً دوائر النفوس، عندما يريد أحد المواطنين تسجيل ولده الذي تأخّر في تسجيله، فالصعوبة لا تكمن في العدد الهائل من المواطنين المنتظرين أرتالاً في مبنى النفوس وخاصة في دمشق، الذي يضم أعداداً هائلة والذي لا تكفيه المساعدة من مبنى خدمة المواطن في التخفيف من الضغط، بل يحتاج إلى مبان جديدة وموظفين بأعداد أكبر، بل تكمن الصعوبة في الأوراق المطلوبة وخاصة في هذه الظروف، ما يساهم في أن يغض الآباء النظر عن تسجيل أبنائهم، فالقانون مبدئياً يسهّل التسجيل مجانياً للأولاد حديثي الولادة، لكن بعد مرور شهرين على الولادة هنالك عدّة أوراق على الأهل إحضارها، إضافة إلى الغرامة المالية المترتبة على التأخير والتي تتضاعف كل عام.

فمن يريد تسجيل ولده عليه أن يحضر ورقة من الطبيب أو من المشفى أو من القابلة القانونية التي ولّدت الطفل، لكن هنالك العديد من الحالات لم يولدوا في مشاف وتغيّر مكان سكن الأهل ولم يأخذوا ورقة من الطبيب عند الولادة، فتبدأ رحلة البحث عن طبيب أو قابلة تعطي تقريراً طبياً (يعني دفع مبلغ مالي مقابل هذا التقرير) وهذا التقرير يجب أن يؤخذ إلى المختار لإعطاء شهادة ولادة، وفي هذه الظروف التي هجّرت كثيرين من بيوتهم سيبحثون عن مختار يقبل مع الشهود طبعاً (ما يعني أيضاً دفع مبلغ مالي) إضافة إلى البيان العائلي وبيان الزواج، وهنا معضلة بالنسبة لمن لم يسجّل زواجه بعد، لذلك عليهم أولاً تثبيت الزواج وطبعاً هذه أمور قانونية وواجبة لكن هذا يعني دعوى قانونية لتثبيت الزواج وترقين كل تلك التغيرات في النفوس، إضافة إلى هذه الأوراق هنالك ضبط الشرطة للتحقيق بنسبة المولود، وهو إجراء شكلي (ينحلّ بمبلغ مالي)، يضاف الى كل ماسبق الغرامة المالية التي تتضاعف كل عام، وتتراكم الغرامات ولا يتوقف الإنجاب، فلا الأهل لديهم هاجس تسجيل الأولاد والوعي لأهمية عدم التسجيل وخطورته، ولا الحكومة مهتمّة بالموضوع بوصفه قضية حق للطفل إنساناً ومواطناً، لأن الاهتمام يعني الإلزام والتطبيق وتسهيل الإجراءات، وبعد ذلك إيجاد عقوبات مشددة بعيداً عن الغرامات المالية لتعتبر بحكم الجنحة ويفرض الحبس للأب أو الأم اللذين تجاوزا القانون عندما تخاذلا عن تسجيل أولادهم.

الحلول ليست معقّدة ويمكن إيجادها من قبل المتخصصين والعمل لحل المعضلة التي تعاني منها الكثير من الأسر، وما الحلول الآنية إلا ذرّاً للرمال في العيون..

فإلى متى نبحث عن المفتاح؟ وإلى متى سنبقى في دوائر مغلقة تستمر في تضييق الخناق على المجتمع والمواطن.

العدد 1105 - 01/5/2024