انتخابات مصر… السيسي رئيساً

 أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية، وفاز المشير عبد الفتاح السيسي، وبذلك خطت مصر خطوة أخرى على طريق تعزيز الديمقراطية والتعددية، والانتهاء من محاولة (أخونة) مصر نظاماً ودولة ومؤسسات. وإذ ينظر المصريون إلى هذه الانتخابات على أهميتها بوصفها مرحلة أولى على طريق تشكيل هيئات الدولة الأخرى، بدءاً من موقع الرئيس الذي ينتظر منه أن يواصل الطريق الذي أراده وناضل من أجله الشعب المصري وقواه الحية، في ثورتيه (25 كانون الثاني 2011 و30 حزيران 2013)، فإن الكثير من الصعوبات، كذلك المهمات بانتظار المرحلة الثانية والأهم في تاريخ مصر ما بعد الثورة والتصحيح أيضاً.

ففي سياق التحضير للانتخابات، وما قبلها أيضاً، حسمت المحكمة الدستورية، كذلك مجلس القضاء الأعلى، مسألة ترشح أي إخواني لهذا المنصب، إذ حظر القضاء عمل جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها، وصنّفها في قائمة المنظمات الإرهابية، إثر عمليات العنف والقتل وتخريب مؤسسات الدولة، التي تلت عزل الشعب وقواته المسلحة للرئيس الإخواني محمد مرسي، واعتقال غالبية قيادة الحركة. ورغم أن التنافس انحصر بين المشير عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع السابق)، وممثل التيار الشعبي (وسط) حمدين صباحي، عند إقفال باب الترشيح مطلع شهر أيار، فإن مواقف القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية وحركة شباب الثورة، لم تركز في نشاطها الانتخابي على ماهية الرئيس مدنياً أو عسكرياً، بل على استمرار طريق الثورة والإصلاح وتحقيق شعاراتهما.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن إغفال مسألة العسكرتاريا، أو تجاهلها، من الهموم الشعبية العربية عموماً، والمصرية خصوصاً (تعاقب على رئاسة مصر ثلاثة رؤساء عسكريين)، فإن الدور الوطني للمؤسسة العسكرية في تأييد التظاهرات المليونية في 30 حزيران، وانحيازها لمطالب الشارع المصري وقواه الحية في حركته التصحيحية من جهة، وفي منع أخونة مصر ما قبل 30 حزيران وبعدها، وحظر حركة الإخوان المسلمين واعتقال قياداتها من جهة ثانية، قد أشاع الطمأنينة في صفوف المصريين عموماً، وانتشر جو من التفاؤل عبرت عنه القوى المحركة للثورتين أولاً، وحاجة مصر إلى رئيس قوي مختبر ثانياً.. وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات أيضاً.

فقد حصل صباحي الذي حل في المرتبة الثالثة في انتخابات 2012 على 3,3%، في الوقت الذي نال فيه السيسي 96.7% من مجمل أصوات الناخبين، الذين بلغت نسبتهم 47% من مجموع الناخبين المسجلين، وإمعاناً في العملية الديمقراطية، جرى تمديد الانتخابات يوماً إضافياً، لفسح المجال أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم.

نجاح كاسح للسيسي وما يمثله، وإقرار من المنافس الخاسر بالنتيجة، هذا أول ما يسجل لهذه الانتخابات التعددية، تؤكد من خلاله الجماهير المصرية، وحركتها السياسية على تنوعها، الانتهاء من مرحلة محاولة أخونة الدولة، والدخول في بدايات المرحلة الأصعب وعنوانها إرساء الديمقراطية وتصحيح مسار مصر ونهجها، وعودتها إلى موقفها العروبي والقومي، وما يمليه من استحقاقات وواجبات.

إذ يكفي مصر ما عانته خلال حكم حسني مبارك، والانحياز للغرب على حساب دورها ومصالحها، كذلك محاولة اغتيال الثورة خلال حكم مرسي وتبعاتها العربية والقارية، المتمثلة في الانحياز إلى معسكر الإخوان المسلمين والمجموعات الجهادية التكفيرية، وتشريع الجهاد في البلدان العربية الوطنية، وبخاصة سورية، وقطع العلاقات معها، خلافاً للروابط التقليدية التاريخية بين البلدين، والاستقواء بدور قطر التخريبي وغيرها.

ينتظر مصر الكثير من المهمات الداخلية والعربية وغيرها أيضاً، وهي بمجموعها مؤشرات للنهج القادم لأرض الكنانة وقيادتها الجديدة، وفي المقدمة استعادة الاقتصاد المصري عافيته، والانتهاء من مرحلة الارتهان والتبعية، لصالح تجذير الاستقلال الاقتصادي – السياسي. كذلك تصحيح علاقات مصر العربية أولاً، وعودتها إلى ما عهدته بها الدول العربية الشقيقة ثانياً، وعودة (التوازن) بالحد الأدنى، في تعاطيها مع الصعوبات التي تواجهها أمتنا وقضاياها القومية ثالثاً، فضلاً عن دور مصر التحرري الاستقلالي، الذي رسخته ثورة جمال عبد الناصر على صعيد المنطقة والعالم، وهي مهمات تواجه الكثير من التحديات، وإرثاً ثقيلاً من مرحلة ما بعد عبد الناصر السلبية وتبعاتها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً أيضاً.

يدرك العهد الجديد وقواه ورموزه، وبضمنهم المشير السيسي بوصفه وزيراً للدفاع، ثم رئيساً للجمهورية، حجم المهمات التي تنتظره، كما يدرك أيضاً أهمية التحولات المصرية نهجاً وتوجهاً، التي ينتظرها الشعب المصري بطبقاته وفئاته الوطنية، التي أسقط في سبيلها بثورته نظام مبارك الشمولي، ونظام مرسي الشمولي الإخواني. وينظر الشعب المصري وكذلك قواه الحية الحريصة على عروبة مصر ودورها، إلى نتائج الانتخابات الرئاسية، على أهميتها، بوصفها محطة أولى على طريق العمل لتحقيق رغباته وتطلعاته، وهذا ما ستؤكده توجهات الرئيس المنتخب أولاً.

العدد 1105 - 01/5/2024