بعض من آلامنا

رغم صعوبة العيش في مراكز الإيواء إلا أننا استطعنا التأقلم معها، والتشارك فيما بيننا على الحلو والمر، وكان لعدد من الجمعيات دورها في دعمنا ومساعدتنا، طبعاً إضافة الى دعم الدولة لنا، لكن هنالك آلاماً  كثيرة نعيشها، ومنها مثلاً ما يعتقده الآخرون عنا وكأننا أتينا من عالم مختلف أو كأنهم مصونون عن أن يصيبهم ما أصابنا، متجاهلين أننا نحن أيضاً كانت لنا بيوتنا وحياتنا ومشاريعنا وأحلامنا، لكن ما حدث هو نصيب قد يصيب أحدنا وقد لا يصيبه، وهو فقط لحظة قد تصيب فلاناً أو تصيب آخر..

وما سأذكره ليست حوادث فريدة أو فردية بل هي تكررت مع الكثيرين منا حتى كادت أن تصبح عامة، فقد ذهبت صديقتي ذات مرة الى عيادة طبيب أسنان ومع بداية جلوسها سألها عن اسمها وعنوانها ورقم هاتفها، لكنها عندما قالت له إنها تعيش في مركز للايواء، تراجع الطبيب إلى الوراء ووضع كمامة على وجهه وكفوفاً في يديه وقال لها: (أعتذر منك، لا أستطيع أن أكمل معك العمل) وهنا وضعت أمها نقوداً على الطاولة وخرجتا والدموع تملأ عينيهما.

وفي مرّة أخرى كانت إحدى الفتيات من المركز  في المدرسة، سألت المعلمة سؤالاً وهنا بادرت صديقتي للإجابة فأعجبتها بطريقة جوابها وقالت لها: أين تسكنين؟ فأجابتها: في دار الإيواء، وهنا سألتها المعلمة: هل تحتاجين أية مساعدة، فأجابت لا شكراً لا أريد شيئاً، وفي صباح اليوم التالي نادتها إلى الإدارة وأعطتها كيساً فيه بعض الملابس والحقائب وقالت لها: لا تخبري أحداً وسوف أزيد لك علاماتك.. وهنا أحرجت جداً وازدادت خجلاً، لأنها شعرت بأنها موضع إشفاق.

أما إحدى الفتيات اللواتي يقطنّ أيضاً معنا في المركز فكانت تدرس في مدرسة قريبة من المركز، لكن منذ اليوم الأول عادت وهي تبكي وتقول: لا أريد أن أدرس فيها لأن كل الفتيات يسألنني: أين تسكنين كي نزورك؟ وعندما أجاوبهم إني في مركز الإيواء، ينظرون اليّ نظرة غرور ويتركونني ويبتعدون عن مجالستي..

هنا أريد أن أسأل: ما الذي يمكننا فعله وهذا قدرنا؟ وأين هي العلاقات الإنسانية التي تعترف بالمساواة بين جميع البشر؟ وهل هذا هو التضامن فيما بيننا؟ أم أن البشر هكذا هي طبيعتهم يجلسون مع القوي ويهربون ممن آلمته الحياة!

العدد 1107 - 22/5/2024