من الصحافة العربية العدد 630

دموع الليدي ماكبث

الخطاب (الرسمي) الذي نسمعه اليوم في الغرب عن الانتخابات السوريّة، ليس بعيداً بالكامل عن الحقيقة. لكن مشكلة الحقيقة أنّها تتغيّر تبعاً لما نريد أو نستطيع أن نراه، وتبعاً لوعي الناظر ومصالحه. وسط العنف والموت والدمار، لم تتوافر للانتخابات السوريّة الشروط الطبيعيّة المطلوبة لأي انتخابات. ليس هناك في العالم ديمقراطيّ شريف واحد يمكن أن ينكر ذلك.

كما أنّه ليس هناك ديمقراطيّ شريف يصدّق أن قطّاع الطرق والتكفيريّين ومرتزقة الأنظمة الظلاميّة الذين احتلّوا المشهد بعيد الأشهر الأولى من الانتفاضة المجهضة في سورية، بقرار من الغرب الاستعماري طبعاً، يمكن أن يحملوا للشعب السوري بديلاً مقبولاً لنظامه السياسي. صحيح، النظام السوري أغفل، أسوة بسائر الأنظمة العربيّة (باستثناء النموذج التونسي الحالي على هشاشته)، مبادئ أساسيّة تتعلّق بالحريّة والتعددية وتداول السلطة. لكن فرص التغيير السلميّة سُرقت من الشعب، وذوت أحلام التقدّم التي حملناها عقوداً. كما تتهاوى أمامنا، للأسف، بأشكال مختلفة، كل أوهام التغيير، من بنغازي إلى القاهرة.

نعم، النظام السوري يتحكّم وحده اليوم بقواعد اللعبة وشروطها وأطرافها. لكنّه نظام يخرج منتصراً من حرب شاملة خاضتها ضدّه قوى مختلفة لا يصدّق أحد أن هدفها كان الخير لشعوب المنطقة. الغرب الذي يلقّننا الديمقراطيّة من عليائه، ويحتكر مرجعيّة الخير والشرّ، مازجاً بين قيمه الحضاريّة السلميّة ومصالحه الاستراتيجيّة الدمويّة، عليه أن يعترف بهزيمته. ها هو، مثل الليدي ماكبث، يعيش كوابيسه الليليّة بعد عودة (جهادييه) إلى ربوعهم. رغم كلّ شيء، تقول الصناديق السوريّة الكثير، لمن يريد أن يسمع. إنّ جزءاً مهمّاً من الشعب، يعيد اكتشاف الحياة المدنيّة ويختار أهون الشرور. يقترع لصالح الحلّ السياسي، وضدّ المشاريع المزيّفة التي قادته إلى الهاوية، ضدّ أوهام قاتلة قد يكون آمن بها في وقت من الأوقات. الانتخابات السوريّة من علامات التغيّر المناخي في المنطقة. إنّها نهاية (الربيع العربي) الذي قتله الغرب.

بيار أبي صعب 

(الأخبار)، 4/6/2014

 

(السلفية الجهادية) تحقق رقماً قياسياً في سورية

لم تتسع خريطة سورية لوضع رمز يمثّل كل (مجموعة جهادية) تقاتل على أراضيها. في تقرير مؤسسة (راند) الاستخباري الذي رُفع أخيراً إلى البنتاغون، والذي تحدّث عن (تطور القاعدة والسلفية الجهادية) في العالم، برز بلد واحد وُصف بمغناطيس هذه المجموعات، هذا البلد هو سورية.

تقرير مؤسسة (راند) الأمريكية بعنوان (تهديد مستمر: تطور القاعدة وباقي المجموعات الجهادية السلفية)، أعدّه لمكتب وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل، (معهد بحوث الدفاع القومي) التابع للمؤسسة. المكتب، كما المؤسسة الممولة من (الكونغرس)، يعمل برعاية مكتب وزير الدفاع الأمريكي والقوات البحرية ووكالات الدفاع واستخبارات الجيش وغيرها.

التقرير الأمريكي الذي اعتمد على عمل استخباري ـ ميداني تناول حركة نمو السلفية ـ الجهادية في العالم، والمعطيات قادته تلقائياً إلى سورية، لكونها تعدّ الآن (الملجأ الأبرز للمجموعات السلفية الجهادية في منطقة شرق البحر المتوسط).

وفي معطيات التقرير (المؤلف من نحو 100 صفحة) أنّ عدد المجموعات السلفية الجهادية زاد بنسبة 58% من عام 2010 حتى 2013 ومثلت ليبيا الملاذ الأكثر نشاطاً لها في شمال أفريقيا، وسورية (الجاذب الوحيد والأهمّ لمقاتليها).

اختار السلفيون الجهاديون، وعلى رأسهم (القاعدة)، أن يحاربوا (العدو القريب) في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأبقوا عملياتهم خارج أراضي الغرب أو (العدو البعيد). نسبة الهجمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلغت 99%خلال عام ،2013 وهي أعلى نسبة سجّلت في تاريخ تلك المجموعات. ولسورية الحصّة الأكبر من تلك العمليات.

وفيما يعدّد التقرير أبرز المجموعات السلفية الجهادية المقاتلة في سورية، ويتابع تطوّر قدراتها عتاداً وعديداً، يسرد معدّوه أيضاً كيفية حصول الانشقاقات بين (القاعدة – أيمن الظواهري) و(الدولة الإسلامية في العراق والشام – البغدادي) و(جبهة النصرة – أبو محمد الجولاني) والنزاعات التي نشأت بين مختلف تلك المجموعات، لكن يبقى الثابت هنا، أن تلك المجموعات البارزة زادت من قدراتها التسلّحية والمادية والقتالية، وتوسّعت رقعة الأماكن التي تسيطر عليها داخل سورية. ومن بينها يركّز التقرير على (داعش)، و(جبهة النصرة). فـ(داعش) استولت على عدد كبير من أسلحة الثوار والمجموعات المقاتلة التي تنازعت معها، و(النصرة) تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة المختلفة، ما جعلها (أحد أكثر فروع القاعدة تسلّحاً في العالم). وهي، بحسب التقرير، (ليست مجرّد مجموعة مقاتلين من هنا وهناك، بل بمنزلة جيش صغير).

لكن تقرير (راند) لا يوضح كيف تتلقّى تلك المجموعات تمويلها، وما هي طبيعة الدعم من الخارج، ويكتفي بذكر (مصادر تمويلية من دول خليجية وشرق أوسطية). ثم يصف لاحقاً تلك (المصادر الممولة) بأنها تدعم المجموعات على أساس (طائفي ومذهبي) في الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة. أما عن الدول، فيشير إلى أن (تركيا والأردن ودولاً خليجية عدة قدّمت الدعم إلى مجموعات مقاتلة في سورية، لكن من غير السلفيين الجهاديين).

من جهة أخرى، ينشر التقرير مجموعة خرائط وجداول تبيّن كيف تطوّر عدد المجموعات السلفية في سورية، وما أبرز أماكن انتشارها وميادين عملياتها. وهي تشير كلّها إلى ارتفاع ملحوظ وتاريخي في النشاط القتالي في سورية بين عامي 2012 و2013 مقارنة بهجمات معدودة في مصر والقوقاز.

وبينما يركّز هدف (داعش) و(النصرة) على إقامة إمارات إسلامية في العراق وسورية والبلدان المجاورة، إلا أن القدرات المتعاظمة لـ(النصرة)، مثلاً، تجعلها تمثل تهديداً للولايات المتحدة ومصالحها في الخارج، إذ يشير التقرير إلى قدرة (جبهة النصرة) على تجنيد مقاتلين أجانب من خلال شبكات في أوربا ومناطق أخرى، وخبرتها الطويلة في صنع المتفجرات، ما يجعلها قادرة على التخطيط والإعداد وتنفيذ هجمات ضد الغرب.

وهنا يشير التقرير إلى أنّ أكثر من 10 آلاف مقاتل أجنبي جاؤوا إلى سورية للقتال فيها. نحو 1500 منهم جاؤوا من أوربا (بلجيكا، فرنسا والسويد…).

أسباب نمو السلفية الجهادية

يسرد التقرير بعض الأسباب المتعلقة بمعتقدات تلك المجموعات، التي تدفعها إلى غزو مناطق أكثر، لكنه يلفت أيضاً إلى سبب (أساسي) آخر وهو ضعف الحكم في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2010. استقرار دول تلك المنطقة انخفض بنسبة 17% بين 2010 و،2012 فاعلية الحكومات بنسبة 10%، سلطة القانون بنسبة 66% والسيطرة على الفساد بنسبة 6%.

سلطة القانون انخفضت في سورية مثلاً بنسبة 61% بين عامي 2010 و2012 و31% في ليبيا و39% في اليمن، لكن، برغم اختفاء الغرب عن خريطة عمليات المجموعات السلفية الجهادية في السنوات الأخيرة، تحذّر (راند) من أن خطر هؤلاء ما زال قائماً، وهو يمكن أن يهدد أمن أوربا والولايات المتحدة في أي لحظة. وهذا الخطر يمكن أن يكون من الداخل، وأن يكون تأثيره مباشراً على الولايات المتحدة، مثل اعتداءات بوسطن عام ،2013 أو قد يهدد مصالح واشنطن وحلفائها في الخارج، لكن التقرير ركّز على عامل (لا مركزية القاعدة) وانتشارها وانقسامها كأحد الأسباب التي تسهم في إضعافها، وكخلل يجب على القوى المحاربة للإرهاب أن تستغلّه لمصلحتها.

التوصيات

في ختام تقريرها، قدّمت (راند) إلى مكتب وزير الدفاع الأمريكي توصيات سمّتها (خيارات استراتيجية)، لمواجهة نموّ الحركات السلفية الجهادية. ومن بينها: التدخل العسكري المباشر لملاحقة تلك المجموعات واستهدافها أو القضاء عليها بعمليات سريّة تنفذّها وكالات أمريكية سرية، لكن في ذلك أخطار عديدة على الولايات المتحدة وعلى البلدان التي ستجري فيها العمليات. الخيار الثاني دعم الحكومات المعنية وتعزيز قدراتها على المواجهة، والتعاون مع دول حليفة مثل المملكة السعودية والأردن وإسرائيل، وإقامة شراكات فاعلة مع لبنان والعراق للحدّ من انتشار تلك المجموعات في منطقة الشرق الأوسط. أما في سورية، فيقول التقرير إنّ الأمر (معقّد) لأن (نظام (الرئيس) بشار الأسد عدو لا حليف). لذا تقترح (راند) تكليف الاستخبارات الأمريكية ووحدات العمليات الخاصة تنفيذ عمليات سرّية تستهدف المجموعات الناشطة في سورية، والتعاون مع السعودية وتركيا والأردن لتحقيق ذلك، ومع المقاتلين السوريين المناهضين للسلفيين الجهاديين.

صباح أيوب

(الأخبار) 6/4/2014

العدد 1105 - 01/5/2024