قوانين تمييزية وواقع اجتماعي أكثر إجحافاً بحقوق النساء

تعاني النساء العديد من أشكال التمييز والعنف وممارساتهما، في العمل والتعليم والصحة ومواقع صنع القرار في الفضاء العام والفضاء الأسري. ويكرس هذا التمييز استناداً إلى مجموعة من القوانين التمييزية وإلى فراغ قانوني في مجال الحماية القانونية للنساء. وتضاعفت آثار هذا التمييز مع دخول سورية في النزاعات المسلحة، فالنساء والأطفال في حالات النزاعات المسلحة هم أكثر عرضة للتمييز، نتيجة لذلك أصبحت النساء عرضة للعديد من جرائم القتل والاغتصاب والاختفاء القسري، وألقيت على كواهلهن أعباء تأمين سبل العيش لأسرهن في مناطق النزوح وبلدان اللجوء، وارتفعت نسبة تزويج الطفلات الصغيرات والاتجار بهن تحت مسميات كثيرة، منها العمل كخادمات ومنها الزواج، وكان على الحكومة أن تلتزم بمسؤولياتها القانونية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات، خاصة حماية النساء والأطفال؛ لكن هذا الالتزام كان خجولاً فقد كان على الحكومة أن  تتخذ بعض التدابير لتطوير القوانين الوطنية ومواءمتها مع هذه نصوص اتفاقية السيداو وهي إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وأن  ترفع التحفظات التي وعدت بإلغائها في كلمة رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة أمام لجنة الاتفاقية أثناء مناقشة التقرير الأولي (2007)، فما هي الأسباب التي منعت الحكومة من رفع التحفظات عن مواد اتفاقية 2-9-15-16 بعد مرور سبع سنين على التعهد الحكومي بذلك؟

وعلى  الحكومة أن تعمل أيضاً على نشر الوعي والتعريف بمضمون الاتفاقية. إن تفاوت المعرفة بالاتفاقية (وفقاً لدرجة الثقافة والاهتمام) هو تبرير غير مقبول من الحكومة التي يجب أن تأخذ على عاتقها نشر الوعي والتعريف بالاتفاقية في الأوساط كافة.

وكان الأمل أن يتضمن الدستور تعريف التمييز، وأن ينص على مادة تحظر التمييز ضد النساء، وأن يتضمن  مادة تحدد  بوضوح  مكانة الاتفاقيات الدولية من القوانين الوطنية وبضمنها الدستور، حتى لا تحرم النساء من الفرص القانونية المناسبة لتعديل القوانين التمييزية استناداً إلى أحكام هذه الاتفاقيات. وأن ينص الدستور على مادة تضمن حق النساء في المساواة في كل المجالات، وأن تعمل الحكومة على تغيير قوانين الزواج، إن وجود 6 قوانين أحوال شخصية هو إجراء تمييزي بحد ذاته، لأنه يكرس التمييز بين النساء السوريات  أنفسهن في الحقوق داخل الأسرة وفقاً للمرجعيات المذهبية. لذلك نحتاج اليوم إلى قانون أسرة يضمن الحقوق للنساء والأطفال، وأن يترافق ذلك مع تفعيل مشروع قانون الطفل ومشروع تعديل الأحوال الشخصية ومشروع تعديل جذري لقانون العقوبات، فما هي الأسباب التي أبقت على العذر المخفف في جرائم ترتكب تحت اسم الشرف؟ ما هي موانع اعتبار قتل النساء بذريعة الدافع الشريف جريمة قتل لا تقل عقوبتها عن 15 عاماً؟ وهل يمكن لإلغاء العذر المُحلّ أن يحمي حيوات النساء السوريات؟! وقد اكتفت الحكومة بتعديل المادة 508 من قانون العقوبات بتشديد العقوبة على المغتصب في حال زواجه من المعتدى عليها، وهو تمييز صارخ يفرض على الضحية المغتصبة أن تعيش طوال حياتها مع المجرم الذي اغتصبها، وأن تنتهك إنسانيها مرتين، وتفقد حريتها باختيار الزوج، بذريعة (الستر) عليها، وهي فكرة (همجية) لا تتناسب مع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم ومن قيم تعلي من شأن الحرية والحق في اختيار شريك الحياة. منذ بدء النزاع المسلح استخدمت أجساد النساء وسيلة للضغط من جميع الأطراف نتيجة التفكير المجتمعي القبلي الذي يرى أن النساء هن شرف الرجال،  و قد ازدادت جرائم اغتصاب النساء والفتيات من قبل طرفي النزاع، وإن كان بنسب متفاوتة. وهذا ما أكدته التقارير الدولية والوطنية. فما هي الآليات التي اتخذتها الحكومة لرصد حالات الاغتصاب هذه وتوثيقها ولحماية النساء منها؟

تعاني النساء السوريات من العنف الأسري وهذا ما أكدته الدراسات الميدانية التي أجريت خلال السنوات العشر الأخيرة. وازدادت حالات العنف الأسري كما تفيد الدراسات التي أجريت في أماكن النزوح وأماكن اللجوء. ولكننا لم نلمس لدى الحكومات المتعاقبة أي نية لإقرار قانون يجرّم العنف ضد المرأة عامة، والعنف الأسري خاصة. فهل هناك أي توجه الآن لتفادي هذا القصور التشريعي التمييزي؟  أما بالنسبة للخطط فلم ينفذ على أرض الواقع ما ورد في الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة في الأجزاء المعنية بتمكين المرأة عموماً، الأمر الذي زاد من نسب أمية النساء السوريات، إذ وصلت إلى 50% في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية بحسب التقرير الوطني للسكان، كما تراجعت مستويات تمكينهن بشكل عام. وأثر هذا الأمر سلباً على النساء السوريات مما جعل أولئك النساء يتحملن مسؤوليات تأمين احتياجات الأسر دون أن يمتلكن المؤهلات الكافية لإيجاد عمل لائق. فهل توجد أية إجراءات اعتمدتها الحكومة السورية لتمكين أولئك النساء، خاصة اللواتي يقمن بإعالة أسرهن، في ظل الأوضاع المأساوية التي يعشنها؟ وماذا عن التحضير لسياسات خاصة بتمكينهن بعد وقف الاقتتال؟ فالنساء هن من سيتحملن العبء الكبير في إعادة بناء الوطن، وما هي الآليات التي يمكن أن تضمن (تمييزاً إيجابياً مؤقتاً) بعد إقرار الدستور الجديد وقانوني الانتخابات والأحزاب التي لم تتضمن أية إشارة لحجز حصة للنساء في الهيئات التمثيلية، فأين هي حصة المرأة في المشاركة السياسية التي يجب أن تصل إلى50  بالمئة؟! لا تزال القوانين التي تميز النساء تمييزاً سلبياً هي الأكثر تأثيراً على تكوين المجتمع كله وتأخيره عن التنمية وإحقاق الحق!

العدد 1105 - 01/5/2024