أوربا: مؤتمر جنيف 2 وتبعاته

يضيف تأييد الاتحاد الأوربي وانضمامه إلى الجهود التحضيرية الجارية لعقد مؤتمر جنيف 2 دفعة إضافية هامة، بعد تأييد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لهذا المؤتمر، خلال زيارته السريعة إلى موسكو (17-18 أيار)، كذلك العديد من الدول الأخرى المنشغلة بالأزمة السورية، وبخاصة دول الجوار، والروابط والمنظمات المناطقية والإقليمية.

وأكدت قمة الاتحاد الأوربي الأخيرة المنعقدة في بروكسل (22 أيار)، التزام الاتحاد بالبحث عن حل سياسي للأزمة في سورية. وأعلن على أثرها رئيس المجلس الأوربي هيرمان فان رومبي: (أكدنا التزاماتنا بشأن البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، ورحبنا بمبادرة عقد مؤتمر دولي في جنيف، وإلى وجوب اغتنام هذه الفرصة لإطلاق العملية السياسية). وأوضح أن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوربي كلفوا وزراء الخارجية الأوربيين (سيجتمعون في 27 أيار) الانخراط في التحضير للمؤتمر الدولي حول سورية، واتخاذ قرار عام بشأن العقوبات الأوربية المفروضة عليها، والتي ينتهي سريانها بحلول الأول من حزيران القادم.

ومن شأن هذا التأييد للعملية السياسية، أن يطرح على الاتحاد الأوربي تنفيذ العديد من الالتزامات، وبخاصة مسألتَيْ عدم الانحياز لطرف على حساب طرف آخر، كما درج الاتحاد على ذلك طيلة عمر الأزمة السورية، كذلك إعادة النظر في العديد من الإجراءات العقابية الاقتصادية والمالية والسياسية السلبية التي أقرها الاتحاد ضد سورية.

ويمثل هذا الموقف نقلة في سياسة الدول الأوربية، سواء المقتنعة منها بهذه الخطوة أو المضطرة لها، أو الموافقة عليها لأسباب أخرى، ومنها أنها حصيلة تفاهم أولي روسي- أمريكي حذر، بدأت عجلته بالدوران. إذ يعتمد الاتحاد الأوربي على اتخاذ قراراته بالإجماع، والذي مثل في الكثير من المحطات مبرراً لمواقف عدد من أعضائه، و(فرملة) لمواقف إيجابية لعدد آخر منه. وشكلت ضرورة الإجماع موقفاً غير مبادر أوربياً، لا بل بطيئاً وملتحقاً ومنتظراً وأحياناً تابعاً في سياسته تجاه العديد من الإشكاليات المناطقية والدولية. وانعكس ذلك على دور الاتحاد الأوربي بوصفه قطباً اقتصادياً عالمياً وقزماً سياسياً.. وإن أظهرت بعض الحالات والمحطات المحرجة للغاية والمؤثرة على أوربا ومصالحها ومصداقيتها أولاً، انقساماً علنياً في صفوف الاتحاد: (الموقف من الحرب الروسية – الجيورجية عام ،2008 التصويت على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة عام .2012. إلخ)، فإن الموقف من الأزمة السورية أكد الحالة نفسها من خلال تباين مواقف دول الاتحاد حول الحل السياسي، أو دعم (المعارضات) على اختلافها، وبخاصة الخارجية. كذلك كيفية التعاطي مع المجموعات المسلحة الإرهابية والتكفيرية، التي ستتأثر بها أوربا قبل غيرها، بسبب جوارها للشرق الأوسط، وانعكاسات متغيراته على أوربا نفسها.

أوربا التي شهدت ولاتزال تبايناً وانقساماً، حول العديد من تفاصيل الأزمة السورية، وبخاصة المسائل العملية المباشرة، كالعقوبات والحصار الاقتصادي ورفع حظر الأسلحة عنها، أي عن المجموعات المسلحة الإرهابية عملياً، (ضبضبت) مواقفها في قمتها الأخيرة، وأقرت ضرورة الحل السياسي، لا بل طالبت بالانخراط في التحضير لمؤتمر جنيف 2 والمشاركة فيه، وهذا ما يمثل نجاحاً للدول الأوربية التي تحفظت على الدور السلبي الأوربي من الأزمة السورية، أو تلك التي رفضت هذا التوجه (الجماعي) الأوربي، مقابل انكفاء أو تراجع اضطراري للصقور الأوربية، وبخاصة فرنسا وبريطانيا،

برغم إضافة العديد من الأطراف، وبضمنها مسؤولون أمريكيون، التي وافقت على وثيقة جنيف 1 في 30حزيران من العام الماضي، وأيدت تفاهم موسكو، عبارات لا علاقة لها البتة بهذا التفاهم، أو الوثيقة: (تنحي الرئيس السوري، انتقالاً للسلطة، وغيره من الشروط المسبقة) التي رفضها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بتأكيده مراراً عدم وجود هذه العبارات والشروط المسبقة في وثيقة جنيف ،1 التي تملصت منها الولايات المتحدة طوال عام، أو تفاهم موسكو (7 أيار)، ومطالبته الأطراف الأخرى المفترض مشاركتها، وبخاصة (المعارضات) الخارجية، في مؤتمر جنيف ،2 بعدم وضع شروط مسبقة، والاهتمام أولاً بالتوافق على وفدها، وعلى رؤيتها لحل الأزمة السورية.

ورغم الحذر المشروع تجاه عقد مؤتمر جنيف ،2 فإن الأجواء العامة، وكذلك المصالح المختلفة لأطرافه، وبخاصة المقررين منهم، فضلاً عن صمود الحالة السورية وإنجازاتها الهامة، وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية، فضلاً عن صحة توجهاتها وتحالفاتها، هي بمجموعها عناصر إيجابية تتلخص في الإقرار الإقليمي والدولي المتنامي حول الحل السياسي وضروراته، والانتهاء التدريجي الفعلي والعملي من تكرار إمكانات أو احتمالات تكرار سيناريوهات (ثورات الربيع العربي) ونتائجها السلبية حتى تاريخه على الأقل.

وفي هذا السياق ينظر باهتمام إلى بيان القمة الأوربية الأخيرة، ويتطلع المراقبون إلى سياسة الاتحاد الأوربي ومواقفه، وضرورة اعتماده سياسة صحيحة على الأقل، ومغادرته نهج التبعية والذيلية، نحو الاستقلالية و(التوازن)، ومراعاة مصالح أوربا في ظل التجاذبات والاصطفافات الدولية الجارية، وكيفية ترجمتها في العلاقة الأوربية مع جوارها وضفتها المتوسطية الجنوبية، ودرء الانعكاسات السلبية للمتغيرات في هذا الجوار الهام لأوربا.

وهذا ما أشار إليه العديد من مسؤولي الدول الأوربية حول الخشية من ارتدادات النشاط الإرهابي والتكفيري على بلدان أوربا التي شهدت مؤخراً تفجيرات وأعمالاً إرهابية يتوقع ازديادها مع عودة هؤلاء التكفيريين والجهاديين إلى بلدانهم، ووجود تربة خصبة لهم في هذه البلدان الأوربية أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024