التاريخ الغائب

في حوارات عديدة مع جيل الشباب والمراهقين يبدو بوضوح الشغف لمعرفة ذلك التاريخ المغيّب والمنقوص، فهنالك ألغاز وتساؤلات كثيرة تستفزهم يبحثون عن أجوبة لها، وهم يختلفون عن الجيل أو الجيلين الماضيين أنهم أمام منابع كثيرة للمعلومات ولم تعد تكفيهم تلك الكلمات الرنانة والتنويم عن طريق كتب تدرّس بالمدارس، كانت المصدر الأكبر للجيلين الماضيين، أما اليوم فالمصادر متعددة ومتنوعة ولم تعد الكتب في المناهج قادرة على إسكات الكثير من التساؤلات، فكل معلومة تدرّس يقابلها مئات المعلومات المعاكسة أو المشككة، لذلك وجبت قراءة جديدة للتاريخ، قراءة لا تعتمد على القوي الذي يكتبه ولا على المنتصرين، وكذلك لا بدّ من انفتاح يبدأ من عدم وجود أجوبة جازمة فلا بدّ للبحث، حتى المدرسون أنفسهم غير قادرين على إيجاد الاجابة النهائية..

لذلك وبالعودة إلى الحوارات والتساؤلات التي يطرحها الجيل الحالي والتشكيك بكل ما سلّمنا به سابقاً، نجد أننا نحمل دوراً وهو إعادة طريقة التعريف بتاريخنا، بطريقة أكثر واقعية وأقل جزماً فالحقيقة ليست واحدة، والأجوبة مفتوحة لاحتمالات كثيرة لكن المهم هو البحث الدائم، لتكن دروس التاريخ رحلات كشفية، أبحاث من خلال النت وكتب التاريخ المتنوعة والمتعددة والتي كتبت بأيدي مختلفة، وهذا سيعيد الثقة بين المواطن والوطن، في لحظة ما سيجد ما يربطه جذرياً بوطنه ليس فقط بشعارات بل بتاريخ سيكتشفه هو، وسيحبه هو، وسوف يظهر في رسوماته وعمارته وخطابه وكلماته، ولن يشعر بذلك الفاصل والبعد بينه وبين التاريخ، سيجد نفسه مترابطاً وحتماً سيتلون به ليتابع الجيد منه ويستفيد من السيئ، أما البعد الذي عاشته الأجيال الأخيرة والذي ظهر بشكل سيئ على الأقل في عمارتها التي لا تنتمي لأي ثقافة، فعلينا عدم تكراره وأن نحاول ترميم ما فعلته بأيدينا. فلنفتح مجال العلم للأجيال القادمة والحالية ولندعها تبحث عنه بنفسها، وعلينا نحن إتاحة ذلك من خلال المناهج الدراسية ووسائل الإعلام والقبول بهذا التغيير، بعد الاعتراف بهزيمتنا في كثير من المطارح، وليبحث الجيل القادم عن قدوة لا تشبهنا من خلال تاريخ غيّب لعقود أو ربما لقرون..

العدد 1105 - 01/5/2024