الانتخابات الرئاسية.. استحقاق في الزمن الصعب

في ظل الاستعداد للانتخابات الرئاسية انقسم السوريون بين مؤيد لإقامتها حالياً، لأنها استحقاق مرسخ في دستور البلاد الجديد، ومعارض لها في ظل استمرار العنف والتطرف، ويؤكد المعارضون أنها لن تؤدي إلى الاستقرار والديمقراطية والدولة المدنية المنشودة، لاستمرار سياسات القمع ومصادرة الحريات بشتى الوسائل ويقتصرون بدعواتهم على الرفض لأية مشاركة. وعلى الرغم من كل الأصوات المعارضة للانتخابات، والتطورات الخارجية المترافقة مع تصعيد عسكري على الأرض إلا أن الحكومة السورية ماضية نحو الاستحقاق الدستوري في الثالث من حزيران بعد أن وافقت المحكمة الدستورية العليا على ثلاثة مرشحين بدؤوا بطرح شعاراتهم الانتخابية لناخب يخوض هذه التجربة للمرة الأولى منذ قرابة نصف قرن.

ما لها وما عليها

آراء عديدة ومتباينة بين المواطنين السوريين ممن التقتهم «النور» في الداخل والخارج، فمن جهته اعتبر الطالب في كلية الحقوق فراس الأحمد أن الانتخابات الرئاسية هي استحقاق دستوري يتطلب مشاركة جميع مكونات الشعب لإنجاحه، وتسآل «هل المشاركة متاحة الآن في كافة الأراضي السورية، وكيف سيتمكن جميع المغتربين من الإدلاء بأصواتهم بعد أن خالفت بعض الدول الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة ومنعت المغتربين السورين من الانتخاب، ومن ناحية أخرى فإن امتناع عدد من الأحزاب والقوى السياسية من المشاركة قد يجعل الانتخابات مؤجِّجاً للصراع بدل أن تكون تتويجاً لحل الأزمة»، وشدد على ضرورة وقف العنف وبدء الحل السياسي والحوار أولاً.

بدوره رأى المهندس أيهم محمود أنه لن يكون للانتخابات الرئاسية تأثير على المشهد السياسي السوري في المدى القصير، حيث سيبقى الصراع على أشده بين تنظيمات لا يهمها فكرة الانتخاب نفسها، مبيناً أن لها ولداعميها أجندة لا تتقاطع أبداً مع مصالح كتلة مهمة ووازنة في المجتمع السوري ترى سورية المختلفة عما هي عليه الآن وعما تريدها هذا المجموعات أن تكون، ورأى المحمود أن الانتخابات على المدى البعيد ستكون نقطة انطلاق مهمة فهي أنهت قانونياً فكرة احتكار حزب البعث للدولة والاستيلاء عليها كقوة سياسية لا تقبل حتى الشراكة فكيف إذا تحدثنا عن المنافسة، والأهم أنها أنهت فكرة الحاكم المطلق الذي يجب أن يحكم إلى الأبد وهو إحياء لفكرة الخلافة الإسلامية لكن بنكهة سياسية حزبية، وبين أن الأمر يحتاج بعض الوقت لكي تهضم عقول الموالين لهذا النهج هذه الفكرة والانتقال بسورية إلى مجتمع أقل توتراً في علاقاته الداخلية بحيث يتم تنفيس الاحتقان الداخلي تدريجياً وليس عبر انفجارات عنيفة كما حدث خلال حقبة حكم البعث.

وفيما يتعلق برفض المعارضة السورية للانتخابات ووصفها إياها «بالمهزلة» اعتبرت فنانة تشكلية مغتربة «طلبت عدم ذكر اسمها»، أن ما يحدث هو في اطار تشويه الاستحقاق الرئاسي وعزل القيادة السورية التي ستنتج عن الانتخابات من جهة وتخوف من »إعادة انتخاب« الرئيس الرئيس الحالي للرئاسة كما أجمعت كافة الصحف الغربية من دون استثناء، من جهة أخرى.

مرشحون ولكن..

عن وجود أكثر من مرشح للانتخابات قال وسيم سيمان (33عاماً) «إنه أمر إيجابي لتحقيق المنافسة وتعدد الخيارات أمام الناخبين، لكن ذلك يتطلب وجود برامج وخطط عمل واضحة لدى المرشحين، الأمر الذي لم يظهر جلياً على أرض الواقع حيث طغت الشعارات وغابت الخطط الواضحة للمرحلة المقبلة»، بدورها رأت نوار «26عاماً والمقيمة في الكويت» أن تعدد المرشحين أمر شكلي وهو التفاف على الديمقراطية.

ومن ناحيته رأى الطالب الجامعي سميح طه أن وجود مرشحين سيشكل ركيزة جديدة لدى الجماهير للعودة إلى للعمل والنشاط السياسي في المجتمع بعد خموله لفترة طويلة، وذلك من شأنه المساهمة في بناء قوى سياسية فاعلة متنافسة في المرحلة القادمة سواء على صعيد البرلمان أو الحكومة أو رئاسة الجمهورية.

حملات غير دستورية

وفيما يتعلق بالحملات الانتخابية وتسخير دوائر الدولة لدعم مرشح معين على حساب آخر على الرغم من أنه يتوجب وقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع المرشحين وهو ما أشار إليه أحد المحامين الناشطين عبر صفحته على موقع الفيسبوك: «إن صور المرشح لرئاسة الجمهورية الدكتور بشار الأسد تملأ بعض واجهات مباني ومؤسسات الدولة، كما تنتشر لافتات باسم بعض البلديات تدعو لانتخابه، حتى بات يشعر المواطن أنه لا يوجد غير مرشح واحد.. وهذا يعتبر مخالفاً لنص المادة 53 من قانون الانتخابات التي نصت: (يمنع بأي شكل من الأشكال تسخير أو استخدام الوظيفة العامة أو المال العام في الحملة الانتخابية للمرشح، ولا تدخل في ذلك الأمكنة التي تضعها الدولة ووحدات الإدارة المحلية تحت تصرف المرشحين والأحزاب السياسية)».

مطالب حتمية

أما بالنسبة للمطلوب من الرئيس القادم لسورية فأكد جميع من التقتهم »النور« على ضرورة الحل السياسي لإيقاف العنف وأملوا أن تكون الانتخابات خطوة أولى في طريق القضاء على الفساد والترهل الإداري والقمع وغيره الكثير، مضافاً إليهم الكوارث الاجتماعية التي أفرزتها الأزمة الراهنة، فمن جهته أكد سميح طه على ترميم ما دمر من بنى تحتية وتنمية الاقتصاد الوطني، ومعالجة مشكلة البطالة على المدى الطويل بخلق ظروف عمل جديدة فاعلة خلال مرحلة إعادة الإعمار وبعدها، إضافة إلى العمل على ترميم الشرخ الاجتماعي الحاصل بنشر العلمانية والثقافة التنويرية ومحاربة التطرف الديني، وأكد طه على ضرورة إطلاق الحريات السياسية. بدوره أشار المهندس أيهم محمود أنه تقع على الرئيس القادم مسؤوليات كبيرة أولها تمهيد الطريق لعودة الحياة السياسية وتوسيع نطاق المشاركة في الحكم، وبالنسبة للاقتصاد فأكد على ضرورة وضع آليات حقيقية لتوزيع الثروة والقضاء على الفساد الحكومي وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد الحلول لمشاكل البطالة المقنّعة والاعتراف بها عبر تخصيص رواتب بطالة واضحة بدلاً من سياسات التوظيف الخاطئة، وإعادة تنمية الأرياف تنمية حقيقية ثقافياً واقتصادياً خاصة أنها كانت منبع العنف الذي تغطى برداء ديني، وهو ما كان له أيضاً أسباب اقتصادية في الأساس، وبالنسبة للفساد الاقتصادي للطبقة الحاكمة فأكد المحمود أنه لن يقود سوى إلى مزيد من الانفجارات في المجتمع، وقال: «أعتقد إن هذه الطبقة هي أقوى من أي رئيس أو حزب حاكم، لكن الرئيس الرئيس القادم الذي سيحظى بشرعية سيكون أمل السوريين بالقضاء على هذه الطبقة التي أرهقتهم حتى في سنوات الحرب في محاولاتها امتصاص دماء السوريين، وسيبقى خيار الرئيس الجديد: إما الاستمرار في إرضاء هذه الطبقة الفاسدة أو اللجوء إلى توسيع قاعدته الشعبية والاستفادة من تحولات الجيش السوري الذي صنعت منه الأحداث مؤسسة سورية حقيقية يمكن التعويل عليها كقوة داعمة في وجه هذه الطبقة المسيطرة«.

كلمة لابد منها

ويبقى السؤال هل ستحمل الانتخابات فاتحةَ مرحلة جديدة يعلق عليها الأمل بوقف معاناة الشعب السوري وإنهاء الحرب التي دخلت عامها الرابع، أم سيزداد دخول سورية في نفق مظلم لا نهاية له هذه المرة.. فأمام الرئيس القادم مهام جسيمة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي يتطلب إصلاحها إيجاد الحل السياسي أولاً يكفل حقوق جميع السوريين وهو ما يتطلب معالجة دقيقة.. فهل سنصل إلى سورية الديمقراطية التعددية المنشودة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024