تردّي واقع العمارة السورية ودور الجيل الجديد

تعاني العمارة السورية الحالية من ابتعادها عن التاريخ وعن التطور العمراني في الوقت نفسه، ما جعلها قريبة من البلوكات التي لا معنى لها في ربط الإنسان السوري بوطنه، وهذا يؤكده الكثير من الأكاديميين والمهندسين المعماريين، ويرون أن السبب في ذلك الابتعاد هو ضعف الثقافة، فالثقافة المعمارية في مجتمعاتنا ثقافة فقيرة وضحلة، و ذلك لأسباب عديدة منها:

– عدم الاهتمام بالثقافة المعمارية في مناهج التدريس في مدارس التعليم الأساسي والثانوية وخلوها من أي إشارة الى التراث المعماري القديم أو إلى الثقافة المعمارية المعاصرة.

– غياب الاهتمام بالثقافة المعمارية في وسائط الإعلام السورية الحديثة (المقروءة والمسموعة والمرئية والإنترنيت) فنادراً ما تجد في الصحف المحلية أو العربية مقالاً عن العمارة العربية المعاصرة، وإذا مرّ مقال فيكون عن الآثار التاريخية، حتى على القنوات التلفزيونية العربية نادراً ما تشاهد برامج عن العمارة العربية والعالمية، وإذا شاهدنا برامج عن العمارة العربية الإسلامية فغالباً ما يكون البرنامج توصيفياً يتعلق بتاريخ البناء وطريقته وإطلاع المشاهد على الجوانب الجمالية والهندسية الفنية لهذا المبنى أو ذاك.

– عدم وجود جمعيات أهلية تهتم بالهندسة المعمارية أو تتبنّى مواهب فنية ومعمارية وتشجعها على الاستمرار لتكوين طابع محلي للعمارة في سورية، مدينة وريفاً.

لكن هنالك الكثير من الحلول التي يذكرونها ومنها خلق ثقافة معمارية جديدة، ويؤكدون أننا بحاجة إلى خلق مناخ عام يساعد على الإبداع عامة والإبداع المعماري خاصة، وهو أمر صعب بسبب إهمال امتد لعشرات السنين لكن من الضروري البدء بالعمل على ذلك، وهذا الأمر يحتاج إلى تضافر جهود عدة جهات وصائية كـ (وزارة الإدارة المحلية ووزارة الإسكان والتعمير ووزارة التعليم العالي، وغيرها) للعمل على خلق ثقافة معمارية حقيقية، عن طريق تقديم جوائز تشجيعية للمعماريين لخلق إبداعات معمارية تؤدي إلى اختراق نوعي للوعي الحالي والفني في المجتمع.

ويعتب الأكاديميون على المسؤولين في الدولة، فكلما أرادوا أن يبنوا مبنى مميزاً أو صرحاً معمارياً استعانوا بالخبرات الأجنبية،ما يستفزنا للسؤال: هل يفتقر المعماري السوري إلى الموهبة في التصميم؟ ومن أين نشأت عدم الثقة بالخبرات الوطنية؟ لذلك يجب أن نعيد الاعتبار للخبرات المحلية خاصة أن السوريين مقدمون على مرحلة هامة جداً من إعادة الإعمار، وهم لا يطالبون بسد الأبواب أمام اكتساب خبرة الآخرين، لكن هناك فرق بين اكتساب خبرة الآخر والاعتماد على الآخر، لأن العمارة تعبر عن روح الأمة وخصوصيتها، ومن الطبيعي أن يتم التعرف على منجزات الآخر لا لكي نقوم بتقليدها بل لنجعل منها معرفة تساعدنا على الإبداع ونحن ننتمي إلى تاريخ طويل من فن العمارة وشواهدنا المعمارية لاتزال أمام أعيننا.

وكي يتطور مفهوم العمارة يجب أن يبدأ من الجامعات، فالمشروع المعماري يجب أن يتحول إلى حوار دائم بين الأستاذ والطالب، فليست الحكمة من وجود المشروع قبوله أو رفضه بل الحكمة في تدريب الطالب على الإبداع وتنمية مواهبه الدفينة، وتشجيع الطلاب بدل إحباطهم، وذلك بتعزيز ثقتهم بقدراتهم الإبداعية التي ستنمو مع المستقبل وستظهر في مشاريعهم الخاصة بعد أن يدخلوا معترك الحياة العملية وهذا هو (التمكين).

إن التجديد في العمارة المحلية ممكن إذا قام المعماريون بالاطلاع على ما هو جديد في علم العمارة وعلى تطور هذا العلم، وعلى المدارس الجديدة أن تطور عمل المهندس المعماري فهو شبيه بدور المخرج المسرحي أو السينمائي، الذي يحول جميع عناصر البناء إلى واقعة معمارية تنبض بالحياة بشرط الاطلاع على آخر ما أنجزته العمارة على مستوى العالم، إضافة إلى المواهب الشخصية، ولا نريد أن يقدم المعماري ما هو تقليدي وقديم بعيداً عن روح العصر الذي نعيشه، فما الفائدة من بناء منزل قديم على الطريقة القديمة وبالعقلية القديمة نفسها دون النظر إلى احتياجات الوضع الراهن؟!

العدد 1105 - 01/5/2024