مهارات التفاوض

يُخلَقٌ الإنسان وفي جعبته الكثير من المهارات، لكنه لا يعرف مسمياتها، فكم من مرةٍ نزلت إلى السوق لتشتري غرضاً ما وجدت نفسك وأنت تتجادل مع صاحب المحل عساه يقلل لك من السعر، وأحياناً تقول له إنه إذا راعاك فستشتري قطعة ثانية أو ستصبح له زبوناً دائماً، فما تجدُ إلا وقد تحققت البيعة وكسب الطرفان. وحتى الطفل في سنواته الأولى، يبدأ في البكاء ليحصل على ما يريد، أو يزيد (دلعه) ليحنّن قلب الكبير ويأخذ ما يريد. وتلك الجدالات الكثيرة نجدها في الزواج والأسرة والسياسة والتجارة وكلِّ تفصيلات الحياة، ويسمى ذلك الجدال أو المساومة أو النقاش بـ(التفاوض).

ومفهوم التفاوض هو: موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتضمن عرض وجهات النظر وتبادلها وتقريبها ومواءمتها وتكييفها واستخدام أساليب الإقناع كافة للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم على القيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين، في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.

وطبعاً لتبدأ عملية التفاوض علينا بالتأكد من الرغبة المشتركة لدى الطرفين بالتفاوض، ليبدأ التعاون وتحقيق الهدف المشترك ضمن نظرية الـwin-win)) هي تعمل على تحقيق المكاسب المشتركة للطرفين دون وجود أي خسارة، ويكون الطرفان راضيين عن ما تم إنجازه من هذا التفاوض، فيتم الاتفاق على ما يجب أن يكون وما لا يجب القيام به. وأما عن شروط التفاوض، فلتبدأ بالتفاوض عليك التأكد من الأمور التالية:

القوة التفاوضية: عليك أن تعلم ما هي السلطة او التفويض المسموح لك، وما هي الحركات التي أنت قادر على اتخاذها.

المعلومات التفاوضية: يجب أن تسأل نفسك عن هذه النقاط، وتجيب عنها: من نحن؟ من خصمنا؟ ماذا تريد؟ كيف نستطيع تحقيق ما نريد؟ هل يمكن تحقيق ما نريده دفعة واحدة، أم على دفعات وأجزاء ومراحل؟ ما هي الأهداف المرحلية وكيفية تحقيقها؟ ما الذي نحتاجه من دعم وأدوات ووسائل وأفراد للوصول إلى تلك الأهداف؟

القدرة التفاوضية: وتأتي من براعة فريق التفاوض ومهارته وكفاءته. لذا على قائد الفريق أن يختار الأفراد الذين يملكون تلك المهارات، وأن يخلق الانسجام بين أعضاء الفريق ليمتلكوا وحدةَ متجانسةَ، محددة المهام، لا تعارض ولا انقسام بينها. وعلى قائد الفريق أن يدرب ويحفز ويطور أعضاء الفريق المفاوض، ومن ثمَّ يزوّدهُ بكل البيانات والمعلومات التفصيلية الخاصة بالقضية التفاوضية. ومن بعد ذلك عليه المتابعة المستمرة والدقيقة لأداء الفريق المفاوض ولأي تطورات تحدث لأعضائه. كما يجب توفر جميع التسهيلات المادية وغير المادية التي من شأنها تيسير العملية التفاوضية.

الرغبة المشتركة: وهي الشرط الأساسي لإنجاز عملية التفاوض، فحين تتوفر الرغبة الحقيقية والجادة والمشتركة لدى الأطراف يمكن حل المشكلة أو منازعتها بالتفاوض.

المناخ المحيط: علينا أن نهتم بجانبين أساسيين، أولهما: القضية التفاوضية ذاتها التي يتعين أن تكون ساخنة، مما يساعد التفاوض أن يحظى باهتمام الأطراف ومشاركتهم بفعالية. وثانيهما: توازن المصالح بين أطراف التفاوض. ولتهيئة المناخ الفعال يجب أن يتم التفاوض في إطار من توازن المصالح والقوى بين الأطراف المتفاوضة حتى يأخذ التفاوض دوره وتكون نتائجه أكثر استقراراً وتقبّلاً وعدالةً واحتراماً بين هؤلاء الأطراف، فإذا لم يكن هناك هذا التوازن فإنه لن يكون هناك تفاوض بالمعنى السّليم، بل سيكون هناك استسلام وظلم وتعدٍّ على أحد الأطراف الذي لا يملك القوة الّلازمة لتأييد حقه أو للتدليل عليه، أو لفرض رأيه وإجبار الخصم الآخر على تقبله واحترامه والعمل به، أو بما سيتم التوصل بالتفاوض إليه.

وبهذا نكون قد علمنا اليوم بوجود التفاوض اضطرارياً في حياتنا اليومية، وتعرّفنا إليه وإلى شروطه التي ستساعدنا في البدء بخطوات جادة ومدروسة وحرفية نحو هدفنا الذي علينا أن نعرفه جيداً قبل البدء بأي خطوة.

العدد 1105 - 01/5/2024