أوكرانيا.. وحلم الالتحاق بحلف الناتو

يعود حلم أوكرانيا بالانضمام إلى (حلف شمال الأطلسي) إلى مطلع الألفية الجديدة، أي عام ،2000 وتحديداً عندما وصل أنصار (الثورة البرتقالية) إلى السلطة في كييف. فمن المعروف أن الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يوشينكو، كان مسكوناً برغبة عارمة في ضم بلاده إلى الحلف، ولكنه عجز عن تحقيق رغبته هذه، لأن نتائج الاستفتاء على انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو آنذاك كانت غير مضمونة في ظل استطلاعات للرأي كانت تفيد بأن غالبية السكان ضد الانضمام.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية في أيار 2014 عاودت رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا تيموشينكو طرح فكرة إجراء استفتاء على الانضمام إلى الناتو، بوصفه أحد البنود الرئيسية لبرنامجها الانتخابي، على أمل كسب المقعد الرئاسي.. ولكن تيموشينكو خسرت الانتخابات (بجدارة) أمام بوروشينكو، الأمر الذي دلّ على فقدانها لشعبيتها السابقة، وربما على مدى (شعبية) فكرة الانضمام إلى الناتو لسنوات طويلة مقبلة، إذ جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية، فعندما تولى يوروشينكو منصب وزير الخارجية في أوكرانيا في عام 2009 كان من أنصار الانضمام إلى الحلف، مؤكداً أن هذه العملية قد تتم خلال عام واحد أو عامين اثنين على أبعد حد وأقصى تقدير.

الرئيس الأوكراني يأمل أن تعرض قمة حلف شمال الأطلسي المقررة في أيلول المقبل في (ويلز) البريطانية على بلاده ما يُسمى بـ(برنامج العمل للعضوية في الحلف)، وهذا البرنامج لا يتطلب إجراء استفتاء في البلد الذي يرغب بالانضمام إلى الحلف عضواً كامل الصلاحيات، ولكنه يتطلب تحديث الجيش الأوكراني وتغيير القوانين والتشريعات لتتناسب مع معايير الدول الأعضاء في الناتو.

ويبدو أن بوروشينكو ومعه الولايات المتحدة الأمريكية وقيادة الناتو، يراهنون على أن انضمام أوكرانيا إلى البرنامج المذكور، قد لا يثير غضب موسكو، ولكن هذا غير مضمون بالطبع، فالروس يعلمون جيداً أن مجرد انضمام أوكرانيا إلى هذا البرنامج سيعني فتح الأبواب أمامها مستقبلاً للعضوية الكاملة في الناتو، ومن ثم استخدام كيف مخفراً أمامياً للحلف ضد روسيا. لقد وعد الحلف روسيا بعدم التوسع نحو حدودها، ولكن هذا لم يتحقق. ففي عام 1994 كان عدد أعضاء الحلف 16 دولة فقط، أما اليوم فقد وصل هذا العدد إلى 28 بلداً، وباتت طائرات الحلف في إستونيا قادرة على الوصول إلى الحدود الروسية في دقائق.. كما أن الحلف مازال يرفض طلب موسكو الحصول على ضمانات قانونية مكتوبة بأن الدرع الصاروخية في أوربا لن تكون موجهة ضدها.

وما يلفت النظر أن التكامل الاقتصادي مع أوربا تدعمه نسبة كبيرة من الأوكرانيين، في حين أن الانضمام إلى الناتو لا يحظى إلا بدعم أقلية المواطنين في أوكرانيا. ففي نهاية تشرين الأول ،2013 أوضح استطلاع للرأي أن متوسط المؤيدين للانضمام إلى الحلف بلغت نحو 20% فقط.

إذاً الغالبية من الأوكرانيين لا تحبذ الانضمام إلى الحلف، ولهذا تؤجل سلطات كييف طرح هذا الموضوع للاستفتاء.

في هذا السياق لا تخفي واشنطن نواياها العمل على تسريع عملية (تكييف) كييف مع معايير حلف شمال الأطلسي، فقد زار وفد عسكري أمريكي رفيع المستوى العاصمة الأوكرانية مؤخراً للوقوف على احتياجات الجيش الأوكراني، بهدف تحديثه، ليتوافق مع شروط الحلف ومعاييره.

ويرى الروس أن مصلحة واشنطن في عملية توسيع صفوف الناتو باتت ضرورة للاقتصاد الأمريكي، إذ إن العملية تعني زيادة صادرات الولايات المتحدة من السلاح. ففي عام 2014 خصصت الولايات المتحدة مبلغ 624 مليار دولار للإنفاق العسكري، وهو ما يمثل نصف مجمل النفقات العسكرية لكل بلدان العالم، إلى جانب ذلك تصدّر الشركات الأمريكية سنوياً أسلحة بنحو 25 مليار دولار، أي نحو 60% من إجمالي الصادرات العالمية من السلاح، منها 19% تذهب إلى أسواق بلدان أوربا الغربية، وهذه النسبة سوف تتزايد في حال توسيع صادرات السلاح الأمريكي إلى أسواق بلدان شرق أوربا.

الخلاصة.. إن حلم بعض النخب الأوكرانية بانضمام بلدهم إلى صفوف حلف شمال الأطلسي لا يصطدم فقط بالمعارضة الروسية الشديدة، ولكنه يصطدم أيضاً بالمعارضة الداخلية في أوكرانيا نفسها، كما أنه يحتاج إلى الكثير من الوقت، لأن أوكرانيا في وضعها الراهن لا تنطبق عليها معايير الانضمام إلى الحلف، فعضوية الناتو تشترط ضمن شروط أخرى، أن يكون البلد الراغب بالانضمام، لا يعاني مشاكل حدودية أو نزاعات داخلية، وفي ظل الحرب الدائرة حالياً في جنوب شرق أوكرانيا، يكون الحديث عن الانضمام إلى الناتو سابقاً لأوانه.

إن وضع أوكرانيا الحالي يذكّر بدرجة ما بوضع جورجيا بعد حربها مع روسيا في عام  2008 تلك الحرب التي عطلت إلى أجل غير مسمى تحقيق الحلم الجورجي بالالتحاق بصفوف الناتو.

العدد 1105 - 01/5/2024