رغم أنها مفعمة بالتراجيديا صورة التشكيلي في الدراما بعيدة عن إغواء التناول

الصورة الجوانية التي قدمها الفن السابع عن الفنان التشكيلي لم تصل حتى أعتابها في الدراما التلفزيونية، ففي السينما كانت شخصية الفنان التشكيلي هي المحورية، سواء كان الفيلم وثائقياً، أم كان فيلماً روائياً، وكل مفردات الفيلم تُكرس لخدمة إبراز هذه الحالة الإبداعية من جوانبها كافة، وصولاً لاكتشاف الباعث الإبداعي..غير أنّ صورته في الدراما التلفزيونية، فكان يتم تشكيلها غالباً على هامش المشهد، أو أقرب ل (راكور) ضمن الصورة، أو أحد ديكورات إتمام المشهد..!

على حافة الجنون

و..لعلّ الدراما السورية كانت من أكثر الفنون البصرية في تقديم بعض المبدعين بصورة مخالفة لشخصيتهم الحقيقية، إما جهلاً بها أو عدم القناعة بأهميتها، ومن ثم غالباً ما يُظلم هؤلاء المبدعون وينالون شيئاً من التشويه، وكان للفنان التشكيلي صاحب الرؤية الجمالية للحياة والواقع نصيب من هذا الظلم والتشويه، الذي دأب كتّاب الدراما على تقديمه في قالب الشخصية المتناقضة الهشة، و..التي قرأها الكثير من الفنانين التشكيليين، إنها تميل إلى العزلة، وأحياناً المصابة بلوثة عقلية، وعلى تقديم فنه بطريقة غير مفهومة للعامة على أنه مجرد (خربشات) لا تقل غرابة عن صاحبها، لترسخ صورته في ذهن المشاهد على أنه شخص غريب الأطوار، لذلك لا نبالغ إذا قلنا إن الدراما السورية قد تكون ظلمت بعض المهن وقدمتها بشكل مغلوط، و..منها صورة الفنان التشكيلي، على ما يرى الفنان لؤي درويش – على سبيل المثال ذات حوار معه -.

زميل سابق

الفنان التشكيلي شخص حساس جداً يتناول أي عمل برهافة حس عالية، إلا أن كتّاب الدراما لم يفهموه أو يعرفوه عن قرب، لذلك نراهم في الكثير من الأحيان يقدمونه بنموذج مشوه، ويصورونه على أنه شخص غير مسؤول وأناني ولديه لوثة من الجنون، عدا عن وصفه بالنرجسية العالية، على الرغم من أن نرجسيته هذه لا تتجاوز عمله الفني، والفردية لديه تخص لوحته فقط لأنها خاصته وله الحق في التصرف بها، ويشير درويش إلى أن أكثرية الذين يشتغلون في الدراما ضمن إطار فني من المخرجين الناجحين في الدراما العربية والعالمية هم فنانون تشكيليون، إضافة إلى أن أكثر النجوم الكبار هم تشكيليون بالأساس، ومن هنا يستغرب كيف يتناولون (زميلهم)- سابقاً الفنان التشكيلي- بهذه الطريقة المشوهة، على الرغم من يقينهم بأن هذا التشكيل المشوّه هو الذي كمّل العمل الفني الدرامي، من خلال الرؤية البصرية للمشهد وما تشمله من الإضاءة والكتلة والخلفيات والعلاقات اللونية بين الأزياء والديكور، ويضيف درويش: الفنان التشكيلي في العمل الدرامي من الممكن أحياناً أن يكون وجوده أساسياً، وأهم من المخرج، لأن أي عمل بحاجة لديكور وإكسسوارات، وذلك لخلق الحياة الفنية للعمل وإعطائه روح الواقع، ولذلك من الصعب تخّيل أي عمل مصدّر من الفراغ دون وجود الديكور، وأحياناً يكون نص العمل ضعيفاً إلى حد ما، ولكن ما يسهم في إنجاحه إلى حد كبير هو الرؤية الفنية التي أعطاها الفنان التشكيلي بمواقع التصوير بحسه الفني ورؤيته التشكيلية، وإضفاء جمالية على العمل من كل نواحيه، حتى أنه يخلق عند المخرج رؤية جديدة للمشهد الضعيف، إضافة إلى خلق ذائقة بصرية حتى عند الإنسان العادي من خلال هذه الدراما. وهنا نذكر إن كلاً من الفنانين: بسام كوسا، أديب قدورة، عبد الفتاح مزين، و..آخرون، قدموا إلى الدراما من خلفية تشكيلية.

سدنة الجمال

إلى اليوم لم يستطع أي كاتب أن يقدم شخصية الفنان التشكيلي بطريقة مدروسة وصحيحة الصورة، أو تسلط الضوء على هذه (الحالة الإبداعية) كأحد سدنة الجمال في هذا الكون، على الرغم من الصداقة الكبيرة التي تجمع الكثير منهم مع بعض الفنانين التشكيلين، بل صورة مغايرة لما هو عليه في الحقيقة وبعيدة كل البعد عنه، ويعتقد الفنان التشكيلي لؤي درويش أن السبب الأساسي في هذا الإلتباس قد يكون في انعدام ثقافة الكاتب بالفن التشكيلي.

الدراما السورية والعربية كثيراً ما تناولت الفنان التشكيلي من خلال أعمالها الموزعة في المسلسلات بتشخيص هذا المبدع كممثل (أوكروباتي) مصنع، مهووس، فعمدوا إلى تشويهه في الشكل والمضمون.

رغم دخول الكاميرا السينمائية إلى عوالم الكثير من فنانينا التشكيليين، الأمر الذي افتقدته المعالجة الدرامية التلفزيونية، غير أنه لا السينما ولا التلفزيون تناولا الفنان التشكيلي من وجهة نظر سيرية روائية، رغم كثرة تناول كليهما- السينما والتلفزيون- للكثير من دراما السير، وذلك في العالم العربي على الأقل. رغم استثمار الدراما أحياناً لوحات تشكيلية في ديكور عمل درامي ما.!

ولم تشكّل شخصية الفنان التشكيلي السوري إلى يومنا هذا إغواءً ما لتكون وراء عمل سينمائي روائي، أو مادة لعمل درامي تلفزيوني، رغم أن حيوات بعض هؤلاء الفنانين تنطوي على منعطفات مفعمة بالتراجيديا ليست أقلها إحراق لوحات تقدر بالملايين ذات يأس، أو نهاية تراجيدية أقرب إلى الملهاة، أو قامات فنية ثمة ألف من الحكايا المخبأة كانت السبب في عمارتها الجمالية، بل بقيت الصورة أرشيفية في السينما أو شخصية هامشية مهزوزة في الدراما، أو عرض بعض اللوحات أحياناً كثيرة نجدها تزيينية، أو مقحمة أكثر منها خدمة حقيقية للمشهد الدرامي.

العدد 1104 - 24/4/2024