أبيض وأسود

البعض من مدوني وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدميها يفرط في توجيّه النصائح والمواعظ، يُقدّم الحكم والأمثال ويُوجّه اللوم والتأنيب لباقي مستخدمي هذه الوسائل، بسبب فكرة كتبت أو خاطرة دُونت أو صورة  نُشرت.

ينتقد فرحهم إن اعتبر أن الجو العام في المنطقة يفرض على الجميع أن يحزن ويبكي ويلطم، ويستنكر حزنهم إن كانت الأوضاع السائدة في البلاد تستوجب الأفراح والليالي الملاح. ويعمل على تحويل أي مناسبة شخصية أو حدث ما إلى قضية عامة. يدير الحوار أو النقاش (أو يشارك) بما يتناسب مع أهوائه وانتماءاته ومعتقداته، لا يُقيم وزناً لمشاعر المشاركين وأحاسيسهم، ولا يحترم آراء المخالفين لرأيه ومعتقداتهم. فنراه يذمّ ويسخر أو يؤيد ويمدح حسب الموافقة الفكرية أو العقائدية لما يراه صحيحاً.

هذا النوع من الناس لا يرى الأمور في الحياة إلا من منظار اللونين الأبيض أو الأسود، ونسي باقي ألوان قوس قزح التي تمنح الجمال للأشياء وتُدخل البهجة في حياة الإنسان، وتجاهل المساحة الرمادية في النقاش التي تسمح بالبناء في مجال الاتفاق، وتحاول تجاوز نقاط الاختلاف، إن أراد الوصول إلى نتيجة إيجابية أو حل أي مشكلة بطريقة حضارية.

هذا النوع من المدونين، من وجهة نظري، هو كالببغاء الذي يُردد أقوالاً حفظها وكلمات قرأها وقواعد آمن بها ويحاول تطبيقها وفرضها في كل نقاش أو تعليق. وبهذه الطريقة يحاول التأثير على عقول الآخرين بطريقة غير مباشرة، عن طريق التشكيك بأفكارهم والتنديد بتصرفاتهم والاستهتار بمشاعرهم وإهانة معتقداتهم.

فإن سمحنا لمثل هؤلاء بالدخول إلى حياتنا والتحكم بها، من باب العالم الافتراضي، فإننا نكون في بداية الطريق للتحول من إنسان يُخطئ ويُصيب ويتعلم من دروس الحياة وتجاربها، إلى ببغاء يُردد ما يُلقنه إياه الآخرون.

العدد 1105 - 01/5/2024