ارحموا من في الأرض

كان صوته يدوي في أرجاء السوق الشعبي وهو يصيح على بضاعته المعروضة: (فاصوليا-كوسا بلدية، ملوخية خضرا،…) كان الزبائن ينتظرون دورهم أمام الميزان، اقتربت منه بهدوء لأسأله: كم كيلو الملوخية؟ فأجاب بغلظة وجفاء: الكيلو بـ 300 ليرة سورية، قلت له: معقول؟! قال: وما الغريب في ذلك؟ اذهبي إلى غيري واسألي إن لم يعجبك سعري، سألت غيره فوجدت السعر أقل (250 ليرة سورية)، وعند آخر كان بـ 200 ليرة سورية، إلى أن وصلت إلى المؤسسة التي تبيعه ب 175 ليرة سورية!

رأيت بأم عيني الاستغلال بين البائعين أنفسهم، فبدل أن نخفف من وطء الأزمة فيما بيننا نجد أننا نحن من نساهم بتأجيجها، وجود مرضى النفوس الذين يتلاعبون بالأسعار والتجار الذين يستغلون الأزمة يزيدون الحرقة في قلوب الناس الذين هجّروا من بيوتهم ونزحوا، فأنا كإحدى النساء المهجرات أريد أن أدبّر مصروفي لأشتري بضاعة رخيصة، لكن للأسف أجد الجشع والاستغلال والأنانية، فالطبيب يخبرنا بأن المعاينة عنده 1000-1500 ليرة سورية، وعندما أقول له إني مهجّرة! يدير ظهره بعد أن ينظر نظرة استهزاء، ويعبّر لي عن انشغاله وانهماكه في أمور أهم ليقول لي: هيك التسعيرة…

وقد كان عندنا في الحي بائع خضرة بالقرب من المدرسة التي أقطن فيها، عندما افتتح المحل ذهبنا إليه وباركنا له وتأملنا به خيراً، وبدأ ببيع الخضرة بسعر رخيص مناسب، وبعد فترة بدأ يزيد الأسعار رغم اأّه مثلنا مهجّر ويعاني مما نعانيه، ولا يقبل أن يخفض التسعيرة، والمشكلة أنه يرمي الخضار بعد أن تتلف ولا يبيعها لنا إلا بأسعار مرتفعة، لكن الأجير الذي يعمله لديه كان يبيع الخضار التالفة بـنصف الثمن.. وكنا نتساءل دوماً: أين الرحمة في قلوب الناس؟ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء! فإن لم نرحم بعضنا فلن يرحمنا الله. وقبل أن نتساءل: لماذا تأخرت الأزمة؟ لننظر إلى عملنا أولاً ما الذي نفعله نحن، هل ساهمنا في مساعدة أحد أو دعمناه؟ فإن ساعدنا بعضنا سنخفف عن أنفسنا الألم، فلنُدِنْ أنفسنا قبل أن ندين الآخرين، وعندئذ سنجد الحل..

العدد 1105 - 01/5/2024