كي لا ننسى: ثابت عزاوي رائد الفكر الاشتراكي في وادي الفرات (1900-1978)

ثابت عزاوي من الرواد الأوائل، من تلك الواحات في البوادي العربية، من تلك القمم الشاهقة والسنديانات الصلبة.

ولد ثابت عزاوي في مدينة دير الزور عام 1900 تلقى تعليمه في المدارس التي كانت تدرّس باللغة التركية، ثم صار مدرساً لمادة العلوم والفيزياء في المدرسة الرشيدية بدير الزور، ومنذ نعومة أظفاره بدأ احتكاكه بالحياة العامة في بلده، ومتابعته الأحداث العامة والسياسية التي كانت تمر بالبلاد.

في عام 1919 افتُتح في دير الزور فرع للنادي العربي بحلب، وصار ثابت عزاوي رئيساً لهذا الفرع الذي تحول إلى نواة لحلقة سرية في العمل الوطني.. وكان ثابت عزاوي صلة الوصل بين التنظيمات الوطنية في محافظة الفرات وبقية المحافظات السورية.

وفي عام 1930 افتُتح نادي الفرات الأدبي في مدينة دير الزور، وانتخب ثابت عزاوي رئيساً له، ولم يلبث هذا النادي أن أغلق بعد عام من إنشائه، فاحتج (أبو زهير) على قرار السلطات الفرنسية، فصدر أمر بتوقيفه وأحيل إلى القضاء وحوكم وفق قانون منع الجرائم الرهيب، مما أثار شعور المواطنين في دير الزور، فاستنجدوا بالكتلة الوطنية في دمشق، فحضر أربعة من أبرز محامي دمشق للدفاع عنه.

وفي عام 1933 شارك في مؤتمر انعقد في قرية قرنايل اللبنانية، حضرته وفود من سورية والعراق وفلسطين ولبنان، ذلك المؤتمر الذي انبثق عنه عصبة العمل القومي التي شغل (أبو زهير) فيها نائب الرئيس عام 1938.

وفي عام 1935 شارك ممثلاً عن دير الزور في المؤتمر الوطني المنعقد في حلب برئاسة إبراهيم هنانو.

في عام 1937 شارك في مؤتمر بلودان لنصرة فلسطين، وبعد حلّ البرلمان السوري والإضراب الخمسيني الذي تلاه والمظاهرات العامة في مدينة دير الزور، اعتُقل ثابت عزاوي مع عدد كبير من رجالات المدينة، وكان (أبو زهير) آخر من أطلق سراحه من السجناء السياسيين.

كان النهوض بالتعليم هاجسه الأساسي، فشارك في كل الوفود التي كانت تطالب بذلك، وكتب في الصحف، وبذل كل ما أوتي من جهد في سبيل هذه القضية.

كان له دور هام في إنشاء نادي ابن خلدون الثقافي ذي الاتجاه التقدمي عام ،1956 وكان أول المحاضرين فيه.

في أواخر عام 1959 ألقي القبض عليه واقتيد مكبلاً إلى سجن المزة العسكري بدمشق، حيث غدا الأب والأخ والصديق لرفاقه المساجين، عدا أنه مثلهم الأعلى وقدوتهم في كبرياء المناضل وسلوكه.

درس الاقتصاد السياسي منذ سنوات شبابه الأولى، وأدرك طبيعة العلاقات الاقتصادية بين المدينة والريف، ونشر في مجلة (الطليعة) إثر صدورها عام 1953عدة مقالات في الاقتصاد السوري والفراتي، كما حاضر في الفكر الماركسي والمادي، ونشر كتاباً مع زهير الخاني وقسطنطين قدسي بعنوان (دراسات اقتصادية – حول مشروعي سد الفرات واستثمار النفط)، وترجم ديوان (الناظرون إلى النجوم) للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت، وقد قدم للديوان وراجعه الأستاذ حنا مينه. كتب ثلاثة مجلدات عن تاريخ دير الزور منذ دخول فيصل سورية حتى بداية الحرب العالمية الثانية، وانتهى بانتهاء المجلد الثالث في النصف الثاني من عام 1978.

لقد كانت حياة ثابت عزاوي حافلة بالنضال ضد الحكم العثماني والاستعمار الإنكليزي والفرنسي ضد الديكاتوريات والظلم بكل أشكالهما، وتعرض في سبيل ذلك للسجن مرات عديدة، ولكنه ظل أميناً لمبادئه ولم يرضخ للضغوط والإرهاب، ولم يقبل بالمساومة لقاء أية منفعة مادية أو منصب، بل كان السجن يزيده صلابة وصموداً.

آمن بالاشتراكية العلمية، وأمسى من المنادين والمناضلين من أجلها، ولم يقتصر دوره على التعبير عما يحدث، بل لعب دوراً في التوجيه والتأثير وتكوين الوعي لدى العديد من الشباب الديريين.

كانت آخر السطور التي كتبها قبيل وفاته تلك التي يقول فيها: (إن كل ما أعتز به هو الصبر على محن الزمان العجيبة، ومنها الشلل الذي أصابني، ذلك الصبر الذي التجأت إليه لصيانة عقلي ونفسي، ولسان حالي يقول:

صنت نفسي عمّا يدنس نفسي ..|.. وترفّعت عن جدا كل جِبس

ظلت هموم الوطن ومشاكل الناس تشغل بال ثابت عزاوي رغم كبر سنه وقسوة مرضه، وظل حتى وفاته يكرر وصيته لكل الشيوعيين أن يحرصوا كل الحرص على وطنهم ومبادئهم، وأن يحافظوا على حزبهم الشيوعي.

العدد 1107 - 22/5/2024