وحدة التراب السوري

على مدى أزمنة وقرون شكلت سورية ولاتزال، ملتقى لمعظم الحضارات التي عاشت واستقرت أو مرت بالمنطقة، والتي أسهم في بنائها مزيج متنوع وواسع من القوميات، وكانت السمة الأساسية التي تجمعها بعضها ببعض هي التعايش والتفاهم والتلاقح الحضاري.

ولم يخلُ الأمر من بعض المنغصات التي حصلت في فترات متباعدة، ومن انتقاص من بعض الحقوق، أو ممارسات سلبية من مختلف المكونات، لم تؤثر بالمطلق على جوهر العلاقة الذي بقي متسماً بالود والإخاء، ولم تكن إرادة التعايش هي المحرك الوحيد لهذه المشاعر، بل التكامل الجغرافي والبشري والاقتصادي وتآلف النسيج الاجتماعي والمصالح المشتركة، وهي تشكل بمجموعها أشد الروابط الممكنة بين المجموعات الاثنية والقومية والدينية المختلفة.

لقد كان النموذج السوري في العلاقة بين هذه المكونات مثالاً يحتذى، فقد اندمجت هذه المكونات في مجرى الكفاح ضد الاستعمار، وفي مجرى البناء الاجتماعي والاقتصادي، وتطورت المناطق المختلفة من أنحاء الوطن السوري، وتحققت إنجازات أدت إلى توزيع الأراضي على الفلاحين من مختلف القوميات دون استثناء، وتثبيتهم وترسيخهم فيها.. وبُنيت مشاريع للبنى التحتية يندر وجودها في كثير من البلدان النامية، وتطورت الخدمات الصحية والتعليمية والمرافق العامة تطوراً متكاملاً يصعب الفصل بينها.. وكالعديد من الأمور، وجدت سلبيات ونواقص وأخطاء تضررت منها سائر هذه المكونات القومية، دون تمييز بين مكون وآخر، فما كان إيجابياً، شمل كل هذه المكونات، وما كان سلبياً تضررت منها جميعاً. واليوم، تخوض بلادنا، إضافة إلى معركتها ضد المجموعات المسلحة المدعومة أمريكياً وتركياً وخليجياً، معركة البناء والنضال، من أجل التغيير السلمي باتجاه الديمقراطية وإقامة الدولة المدنية العلمانية، التي تصون حقوق المواطنة لكل مواطن سوري. وفي ظل هذه الأهداف، تندمج مصالح كل الفئات القومية المكونة للشعب السوري من عرب وأكراد وآشور وشركس وتركمان، في بوتقة واحدة. فالتحول إلى دولة المواطنة والعلمنة والديمقراطية، تجعل المواطنين جميعاً، على اختلاف مكوناتهم وأصولهم القومية، يقفون متساوين أمام القانون، الذي لا يفرق بين مواطن وآخر، والعلمنة والديمقراطية تشمل الجميع أيضاً دون استثناء.

إن هذه الأهداف التي يضعها حزبنا الشيوعي السوري (الموحد) نصب عينيه، والتي تحقّقَ بعضها، وبعضها الآخر يواجه صعوبات وعراقيل مثل  الكثير من الأهداف السياسية، تشكل هدفاً لجميع المواطنين السوريين يجب استكماله، عبر الهيئات والمؤسسات الدستورية والشرعية القائمة، والتي نعرف جميعاً أن كثيراً منها لا يلبي ما هو مطلوب منه، وأن بعضها لا ينقصه الموارد بل الإدارة الحسنة، ولكن كل ذلك يمكن تداركه عبر الآلية الشرعية القائمة، لا نسفها من جذورها والمراهنة على إدارات غير مجربة، لا بل هي وليدة التركيب الإداري والسياسي الحالي نفسه.

إن حماية المناطق التي يحيط بها الخطر، أو تعاني نوعاً من الفراغ الإداري، يمكن ويجب أن تتم في إطار القانون السوري والمؤسسات المتفرعة عنه وعن دستور الجمهورية العربية السورية، وإن كل تغيير في  الهيكلية الإدارية للدولة، تحت أي اسم من الأسماء، هو أمر لا يملك أحد صلاحية إجرائه إلا بموجب الدستور والقوانين السورية النافذة.

العدد 1105 - 01/5/2024