في انتظار غودو… جنيف2 !

أصبح جنيف2 حلماً يتقلّب على جمر الانتظار.. حلماً شائكاً.. يتربّص به الأعداء قبل أن يولد.. تخز أشواكه الذاكرة السياسية.. تموت خلايا منذ شهر أيار وتحيا خلايا، وتتجدد مترافقة مع صدور البيانات المتباينة بين موقفين متضادين (روسيا والولايات المتحدة الأمريكية)، وتعقد المؤتمرات الصحفية المكررة في مضمونها منذ شهور، مع تغيرات طفيفة متذبذبة  في الموقف الأمريكي. فالولايات المتحدة تدّعي أن سياستها تشكل حجر الزاوية في حلحلة قضايا الشرق الأوسط. وأن روسيا المتحالفة مع سورية وإيران وحزب الله لن تتخلَّى عن سورية أبداً.. وهذه شهادة أمريكية صحيحة.

وعندما تتكاثف الغيوم السياسية في المنطقة، تتحول الترددات من الموجة الطويلة إلى الموجة القصيرة، وتتضاعف ساعات بث الفضائيات المعادية للشعب السوري وللحل السياسي والجلوس على طاولة المفاوضات في إحدى قاعات  جنيف. عندئذ – ولقطع الطريق على أي حل – تلجأ الجماعات التكفيرية والناطقون باسمها إلى تنفيذ المجازر الجماعية، وترتفع الرايات السود وتكال الاتهامات للجيش العربي السوري بأنه من قام بتنفيذ هذه المجازر. وتنهال عليهم الأموال والأسلحة والمكافآت من السعودية وحلفائها. على أن الإرهابيين قاموا بإنجازات كبيرة. وهؤلاء يعلمون جيداً بأنه عندما يحقق جيشنا الباسل الانتصارات على التكفيريين الظلاميين، فسرعان ما ينجزون (التوليفة الحقيرة) ويعرضون صور (المجازر الجماعية للأطفال والنساء). وحينئذ يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية لتزوير الحقائق وتنتعش المنابر العدوانية وتبدأ الفضائيات تبخ سمومها.. ويبدأ الزعماء الأمريكيون والغربيون يصوبون بنادقهم إلى سورية، ويلونون تصريحاتهم بالتهديد والوعيد – بإضافة (إذا) الشرطية – ويشهرون تصريحاتهم التي تتراوح قوتها حسب جهاز ريختر بين (النارية والرملية). 

وخوفاً على جنيف2 أن يتحول إلى طير يحلّق عالياً ولا يعود، والإبقاء على (شعرة معاوية)، وألاّ تصل الأمور إلى استخدام المثل المعروف (عند جهينة الخبر اليقين)، يظل الأمل بأن الطريق إلى (الجبال السويسرية) قبل تساقط الثلوج وتحولها إلى جليد لم يغلق قبل نهاية عام 2013.

لقد أفرزت التطورات في الشهور الثلاثة الأخيرة من تفاعلات الأزمة السورية، أحداثاً جديدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومن أبرزها، نجاح (ثورة 30 يونيو/ حزيران) في مصر، وعودة التنسيق بين سورية ومصر خاصة في المجال الأمني. ورفض القيادة المصرية التهديدات الأمريكية والتدخل في شؤون مصر الداخلية، وعدم الرضوخ لشروط أوباما وما أدلى به، وأنه سيشطب بند المساعدات والقيام بالأعمال المشتركة مثل: (تعطيل تسليم أربع مقاتلات من طراز إف – 16. وإلغاء مناورة عسكرية دورية مع الجيش المصري.. وقطع المساعدات العسكرية التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى قرابة 3,1 مليار دولار، والمساعدات الاقتصادية إلى 241 مليون دولار سنوياً).

وجرت تبدلات في التحالفات الإقليمية بعد الحراك الجماهيري في ميادين وساحات تركيا وتونس ومصر والبحرين، وإزاحة (الحمدين القطريين) بقرار أمريكي. وهذه الإصطفافات لم تأتِ من الغيب، بل جاءت باتفاق أمريكي – إسرائيلي – أوربي، حسب ما تتطلبه مصالح الإمبريالية الأمريكية والرأسمالية المتوحشة في المنطقة، وللوقوف ضد المصالح الروسية ومحاولة إضعافها. ولكن القيادة الروسية متنبّهة وحذرة من الفخاخ الأمريكية بعد تجربتها في ليبيا.

لقد قطعت السعودية  عرى الصداقة مع (مشيخة قطر). وتشكل تحالف جديد في جبهتين هما: الجبهة السعودية الإماراتية الأردنية، بهدف زعزعة سورية من الداخل وإسقاط الدولة السورية، والجبهة التركية القطرية. أما الانقلاب الثاني في السياسة السعودية فكان في الزيارة التي قام بها بندر بن سلطان مؤخراً إلى روسيا، حاملاً مشروعاً للمقايضة مع الروس مُوقّعاً من الولايات المتحدة، لكنه عاد خائباً. ولم يتغير الموقف الروسي وظل الحبر نفسه وكذلك الأختام بقيت كما هي صادقة وواضحة، رغم ما يجري من تشويهات وأكاذيب.

إن جنيف2 الذي اعتاد التأجيل منذ أيار الماضي، يبدو أن الخطوة العملية الأولى ستبدأ في نهاية شهر آب في لقاء ممثلين روس وأمريكان للتحضير له. وقد وجهت دعوة رسمية إلى إيران لحضوره، في الوقت الذي لم يدعَ الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي إلى سورية.

إن الولايات المتحدة أزاحت تركيا وقطر من (قيادة المنطقة)، وقدَّمت السعودية الحليف النفطي القوي لها على مر عقود طويلة، والتي تستجيب لتوجهاتها وتنفذ قراراتها بأمانة.

إن ما يسرّع عقد مؤتمر جنيف2 هو ما يحققه الجيش العربي السوري على الأرض، والموقف السياسي الثابت لموسكو وبكين وأصدقاء سورية، ودعم 90 في المئة من الشعب السوري، وموقفه ضد كل تدخل في الشؤون الداخلية والحفاظ على القرار المستقل.. ويظل الحل السياسي هو عنوان رئيس والطريق الشائكة إلى تفكيك الأزمة السورية، والوصول إلى شاطئ الأمان.

العدد 1107 - 22/5/2024