ليلة سوداء

ذات يوم لم نحسباً لزمان حساباً، انتهى عقد الإيجار للشقة التي كنا نعيش فيها، وأخرجنا المالك منها، فذهبنا إلى حيث لا ندري، وفي الطريق قررنا الذهاب إلى أحد الأقارب لنمكث عندهم يوماً أو يومين، لكنا تفاجأنا بتغيير النفوس، فنحن توقعنا أنهم سيفتحون لنا بيوتهم وقلوبهم، لكن خاب أملنا، ورأينا الناس قد ضاقوا بنا ذرعاً لكثرة ما توافد إليهم من أقرباء يلتجئون إليهم، وهذا ما دفعنا للخروج إلى الشارع هائمين على وجوهنا، فذهبنا إلى أحد الجوامع القريبة، ومن ثم إلى أحد الأصدقاء الذي استقبلنا بوجه طلق وفرح، لكن لحظّنا السيء كان عندهم مهجّرون أيضاً، فلم يستطيعوا استضافتنا إلا في غرفة على سطح المنزل بلا نوافذ ولا أبواب وتحوي أكواماً من الحجارة والرمل، قررنا الجلوس بضعة أيام وكانت أياماً صعبة ولياليّ قاسية لن أنساها مدى عمري أنا وزوجي وأولادي الأربعة، المطر، الجلوس على الرمال، والخوف من المجهول، رغم كرم مستضيفنا الذي كان يقدم لنا كل ما عنده من طعام وشراب، الى أن سمعنا بمراكز اللجوء التي افتتحت لاستقبال العائلات المهجّرة، وعلى وجه السرعة ذهبنا إليها لنرى هنالك الكثير من العائلات التي مرّت بظروف ربما أقسى مما مررنا به وكنا دعماً لبعضنا وسنداً نتقاسم الأفراح والآلام بأمل العودة الى بيوتنا..

وخلال أيامنا التي نعيشها في المركز تعرّفنا على سورية كلّها، فجمعت كل المدن والمحافظات والقرى وظهر هذا واضحاً في الأعراس التي حدثت داخل المركز عندما غنت النساء كل منها بحسب عاداتها وتقاليدها، وكانوا جمعاً رائعاً تعلّمنا منه الكثير، وقد زارتنا المنظمات كجمعية حقوق الطفل والهلال الأحمر وراهبات الراعي الصالح، ومنهم الدكتورة مريم التي عملت مع النساء لتدعمهن نفسياً، فعملت بإخلاص في مجالها وبدأت بدعمنا والتخفيف عنّا، كم نحبها ونشتاق لها وندعو الله عز وجل بكل الخير لها ولكل من مدّ يد العون لنا ولأطفالنا الذين لا ذنب لهم فيما يحدث فتجرّعوا الآلام وأصابتهم الصدمات، كم نتمنى أن نتحاور لنعود معاً كباراً وصغاراً لنسمع صوت الحق الذي يقول حافظوا على بلدكم الطيب، لا تزيدوا جراحه أحبوه وأعطوه كي يعطيكم الخير..

العدد 1107 - 22/5/2024