الأزمة السورية تتصدر أعمال قمة العشرين الدولية

أنهت قمة دول العشرين أعمالها في مدينة سان بطرسبورغ الروسية مطلع الأسبوع الجاري، بعد يومين من النقاشات الحادة حول المواضيع الاقتصادية العالمية، وبضمنها دور دول القمة.. كذلك الأزمة في سورية التي طغت على غيرها من القضايا السياسية. هذا وشهدت قمة العشرين تباينات وخلافات حادة حول الجانب السياسي (السوري تحديداً) بين اتجاهات عديدة مؤيدة للحوار والحل السياسي، أو مطالبة بالحسم العسكري وما بينهما.

تضم قمة دول العشرين، الدول الصناعية الثماني الكبرى، والدول (الناشئة) اقتصادياً، وتشكل إطاراً موسعاً يفترض به أن يعالج الصعوبات الاقتصادية العالمية، وبضمنها انعكاساتها على دول العشرين. وقد سبق لمجموعة دول العشرين أن جمعت تواقع نحو خمسين دولة على وثيقة للعمل بمسألة تبادل المعلومات بشأن الأمور الضريبية على أهميتها وخصوصيتها، يبدأ العمل بها في نهاية عام 2015 لم تنضم إليها الدول الناشئة، ولكل منها حساباتها الاقتصادية. في الوقت الذي اتفقت على تبادل الخبرات ودراسة سبل أخرى لمساعدة هذه الدول في الانضمام إلى هذه الوثيقة. كما أيدت القمة خطة عمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الخاصة بالتصدي لتهرب الشركات من الضرائب الذي أعلنه وزراء مالية دول العشرين في موسكو في شهر تموز الماضي. كما أقرت القمة أن (الانتعاش الاقتصادي ضعيف جداً، والمخاطر لاتزال قائمة، لاسيما تلك المرتبطة بالنمو البطيء في اقتصادات الدول الناشئة، الذي يعكس تقلبات تدفق الرساميل والظروف المالية الأكثر صعوبة، وتقلب أسعار المواد الأولية). وأقرت القمة ضرورة دراسة كيفية إنعاش الاقتصاد والظروف المالية الأكثر صعوبة. وتعهدت القمة بدراسة كيفية إنعاش الاقتصاد، ومواجهة التهرب الضريبي وغيرها من المسائل الاقتصادية التي تمس العشرين دولة (مجموعة ودولاً).

وإذا كان الوضع الاقتصادي للمجموعة ودولها قد طغى على نقاشات القمة، وكيفية إيجاد حلول لها، فإن الأزمة السورية قد طغت تماماً على الجانب السياسي وكيفية التعامل معها، وتالياً إيجاد حلول لها.

ورغم القمم الثنائية العديدة وشبه الجماعية التي شغلت حيزاً هاماً في سياق التعامل مع الأزمة السورية (لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما، كذلك القمة الروسية- البريطانية، فضلاً عن اجتماع زعماء دول البريكس: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، فإن القمة أظهرت انقساماً واسعاً وحاداً في كيفية التعاطي مع الأزمة السورية وسبل وآليات حلها.

ويزيد من صعوبة التعاطي مع هذه المسألة الهامة إقليمياً ودولياً، التي أدرجت على جدول أعمال القمة، اتساع التباينات في مواقف دول المجموعة من جهة، والمواقف البرلمانية – الشعبية – الحزبية التي تعانيها دول هذه المجموعة تجاه آليات حل هذه الأزمة من جهة ثانية، وانعكاس هاتين المسألتين على العلاقات بين دول المجموعة عموماً.

فقد أيدت 11 دولة موقف الرئيس أوباما في مسألة السلاح الكيميائي وهوية مستخدميه، ولم تتفق معه حول الموقف الأمريكي سوى تركيا وكندا والسعودية وفرنسا، وبخاصة مسألة (الضربة العسكرية الأمريكية المحدودة)، بل أكدت رفضها لأية عملية عسكرية ضد سورية.

هذا في الوقت الذي توافقت فيه غالبية دول المجموعة على ضرورات الحوار والحل السياسي للأزمة، وبخاصة دول مجموعة البريكس.

وبرز في السياق الموقف الحاد الروسي- الصيني ضد أي عمل عسكري، إذ أعلن بوتين في عبارات شديدة الوضوح والصراحة والبالغة الأهمية: (تسألونني إذا ما كنا ننوي مساعدة سورية؟ سنقدم المساعدات الإنسانية والسلاح وأموراً أخرى). في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الصيني تأييد بلاده لقيام مجلس الأمن الدولي بدور أساسي في حل الأزمة السورية، مؤكداً أن الحل السياسي هو الحل الواقعي الوحيد لهذه الأزمة. أما بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة فقد أكد (أن الأمم المتحدة لاتزال منظمة قائمة وشرعية، ولم تفقد سلطتها، وأن التحقيق في الموضوع الكيميائي يكون من خلال مجلس الأمن الدولي)، في الوقت الذي اقترحت فيه الرئيسة الأرجنتينية كريستينا كيرشنر إرسال وزراء خارجية دول مجلس الأمن الدولي إلى سورية لبحث المسألة هناك.

هذا التباين الحاد الروسي- الأمريكي خصوصاً، وما يمثلانه دولياً، أكد طبيعة هذه الأزمة وانعكاساتها إقليمياً ودولياً، وأهميتها أيضاً، على مجمل العلاقات بين هذه الدول وما تمثله. وأظهرت أيضاً وجود اتجاهات عديدة للتعامل معها، ما بين الدول الساعية إلى (ضربة محدودة)! أو اعتداء على سورية، لافرق في ذلك، بهدف تغيير موازين القوى القائمة في سورية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية.

كما أظهرت هذه المواقف حجم التباين الشعبي – البرلماني – الحزبي مع حكومات الدول المعنية، إذ صوّت مجلس العموم البريطاني (البرلمان) بغالبيته ضد أي عمل عسكري، وأظهرت استطلاعات الرأي العام البريطاني أن 78% يعارضون ذلك أيضاً. هذا في الوقت الذي أظهرت فيه استطلاعات الرأي العام الألماني معارضة 80% من الألمان للتدخل العسكري أو (الضربة المحدودة عسكرياً). كذلك معارضة 64% من الفرنسيين للتدخل العسكري وخشية 75% من تداعياتها، فضلاً عن الانقسام الواسع في الكونغرس الأمريكي واستطلاعات الرأي العام التي يشير معظمها إلى معارضة ثلثي الأمريكيين لهذا التدخل، أو هذه (الضربة المحدودة).

ورغم هذا التباين الواسع بين المواقف الشعبية – الحزبية – البرلمانية مع حكومات هذه الدول، فإنها تؤشر بمجموعها إلى مواقف آخذة بالاتساع إيجاباً، بسبب من طبيعة الأزمة السورية، والنهج الأمريكي (المنفرد) الذي يقود دولاً تابعة أو متواطئة معه.

وهذا ما يسبب حرجاً شخصياً للرئيس أوباما، الذي ضمّن برنامجه الانتخابي مسألة بالغة الحساسية عنوانها: منع الحروب والعمل على الحل السياسي للأزمات التي يشهدها عالمنا، وهذا ما يناقضه أوباما حالياً في ولايته الثانية والأخيرة.

كما من شأنه أن يحرج الدول الوسطية التي ترفض استخدام موضوع الكيميائي، وتطالب التدقيق في هوية مستخدميه، لكنها في الوقت نفسه ترفض العكسرة أو (التدخل المؤقت) أو (الضربة المؤقتة) .. إلخ.

مواضيع عديدة اقتصادية وسياسية ناقشتها قمة العشرين في سان بطرسبورغ ، وتصدرتها سياسياً الأزمة في سورية، وكيفية التعاطي معها، وأظهرت أيضاً حقيقة مواقف الدول الداعمة للتوجه (الرئاسي) الأمريكي، وليس البرلماني بعد.. كذلك الدول الرافضة للتعامل بالقوة في حل إشكاليات مناطقية أو دولية والدول الوسطية التي فضلت غالبيتها العودة إلى المؤسسات الدولية، وبخاصة مجلس الأمن الدولي.

يزداد عدد الدول الرافضة للتفرد الأمريكي، وللعدوان المبيت على سورية، والجميع يطالبون بحل المسألة السورية داخل أروقة الأمم المتحدة عبر الحلول السياسية.. فسورية ليست ليبيا، والمغامرة هنا تعني حرباً إقليمية.

العدد 1105 - 01/5/2024