حول الاعتداء الأمريكي «المحدود» أو «الضربة» المطلوبة لتغيير موازين القوى

تتسارع وتيرة التصريحات النارية والتهديدية الأمريكية خصوصاً، مع انتهاء اللجنة الدولية المستقلة لعملها الجزئي- الأولي في منطقتَيْ الغوطة الشرقية والمعضمية (حالت العصابات المسلحة دون تنفيذ مهمتها في المعضمية)، وتعرّض فريق لجنة التفتيش الدولية للقناصة وللمجموعات والعصابات الإرهابية. ورغم مغادرة لجنة التفتيش الدولية سورية في مهمتها (المؤقتة) وتأجيل متابعتها للأسابيع القليلة القادمة، فإن الكثير من التساؤلات برزت ولاتزال حول مهمة هذه اللجنة التي رأى رئيسها أكي سيلستروم (سويدي الجنسية)، أنها تحتاج إلى أسابيع لفحص عيناتها، وتالياً تقديم تقرير نهائي حول جدول أعمالها ونتائجه، استبقته الولايات المتحدة، على لسان رئيسها باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، بتوجيه الاتهامات لسورية في استخدام السلاح الكيميائي وتبعاته.

وعلى الرغم من محاولات الإدارة الأمريكية حشد أكبر عدد ممكن من الدول المؤيدة لاعتداء محدود، فإنها قد فشلت في ذلك أيضاً، وبرز هذا الخلل فاقعاً في الاتحاد الأوربي وفي دول شمال حلف الأطلسي، وصولاً إلى تصويت مجلس العموم البريطاني (البرلمان) بأغلبيته ضد المشاركة في اعتداء محدود أو عدوان مؤقت، أو مجرد توجيه ضربة لسورية، كما ترافقت مع رفض أوربي لهذه الخطوة وخاصة من دوله المركزية والدول المطالبة بالسلام والحلول السياسية (ألمانيا مثلاً). وشجب الغالبية الساحقة من الدول الأوربية والأطلسية للخطة الأمريكية المقترحة.. الأمر الذي سبب إحراجاً تحالفياً للولايات المتحدة مع حلفائها من جهة، وفي رفض أو اعتراض 3 أدميرالات عسكريين بحريين أمريكيين من أصل ستة أدميرالات لخوض هذه التجربة وتبعاتها غير المضمونة النتائج. ولم تستطع أوربا (اتحاداً ودولاً) الوصول إلى تفاهمات، ولو أوّلية، بشأن المقترحات الأمريكية حول اعتداء محدود أو (تأديب) النظام السوري، ومن ثم الغوص في العملية السياسية وأساسها الراهن (جنيف 2)، وطبيعة وشروط المشاركة به ورعايته الروسية- الأمريكية. فإلى جانب الرفض الغالبي للدول الأوربية لهذه الخطة، فإن استطلاعات الرأي العام الأوربي الأولية وقبل البدء بتنفيذها، أظهرت أن 78% يعارضون هذه الخطوة، وأن 80% من الألمان يعارضونها أيضاً، وأن 64% من البريطانيين رفضوا هذا التدخل الخارجي، و75% منهم يخشون تداعياتها، وهي بمجموعها نسب هامة للرأي العام الأوربي قبيل هذه الضربة المقترحة.

كذلك الانقسام الواسع في مجلس الكونغرس (الشيوخ والنواب) حول الفائدة المرجوة من هذه الخطوة الأمريكية، وما يسبب حرجاً أمريكياً ودولياً رسمياً في حال الإقدام عليها، أو البدء بتنفيذها (أشار الرئيس أوباما في مؤتمره الصحفي الأخير (1 أيلول) والذي امتنع على أثره عن الرد على أسئلة الصحفيين على كثرتهم، حول العديد من الاستفسارت وعلامات الاستفهام، بقوله: إن الخطوة قد تتم خلال ساعات أو أيام أو أسابيع).

وقد استبق أوباما بإعلانه هذا قمة دول العشرين الدولية المفترضة في نهاية هذا الأسبوع، والتي يفترض أن تتضمن لقاء ثنائياً روسياً- أمريكياً، كما أشار إلى حقه القانوني في اتخاذ مثل هذا القرار في ظل عطلة الكونغرس التي تنتهي في التاسع من شهر أيلول الجاري. كما ساهم في ارتباكه وربما للمرة الأولى، عدم رده على أسئلة الصحفيين حول تاريخ هذه الخطوة العدائية وطبيعتها (ساعات، أيام.. إلخ)، وتجاهله أيضاً لمقدمات ومبررات هذا الاعتداء -العدوان قبل أن تقدم اللجنة الدولية المختصة تقييماً لأعمالها، أو استكمال مهامها، وخاصة منطقة خان العسل، وتالياً المسؤول عن استخدام هذا السلاح الكيميائي.

يواجه أوباما، كما سلفه بوش الابن، ووزير خارجيته آنذاك كولن باول، أن معلوماتهم ووثائقهم تستند إلى تقارير الاستخبارات الأمريكية التي خذلتهم في مبررات غزو العراق واحتلاله عام ،2003 كما يواجه أوباما رفضاً شعبياً أوربياً وأمريكياً وأطلسياً، وبضمنها فرنسا التي تشهد مبكراً احتجاجات جماهيرية – حزبية ترفض هذه الخطوة وتبعاتها، إضافة إلى مواقف الحركات الاحتجاجية الأمريكية لهذا القرار والرفض الشعبي له، فإن الدول الأخرى (الصديقة، أو غير المناوئة) للولايات المتحدة، تتخذ موقفاً إيجابياً عن كيفية حل الأزمة السورية، من خلال الحوار والحل السياسي فقط على كثرتها، والآخذة في التزايد، والتي تفضح أهداف هذا الاعتداء- العدوان ومبرراته ضد دولة ذات سيادة. إن هذه الدول قد حذرت مراراً من خطورة هذه الخطوة الرعناء وانعكاساتها على المنطقة بأسرها، وبضمنها إسرائيل، ومن اتساع رقعة نتائج هذا الاعتداء (المؤقت أو المحدود)، لا فرق في ذلك على حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً.

وازدادت الأمور وضوحاً مع تعزيز قدرة الأسطول البحري الروسي في البحر الأبيض المتوسط، وتهديدات إيران، بأن منافذ تصدير النفط (مضيق هرمز، وباب المندب) بوصفه العصب الرئيس للصناعات والحياة الأوربية معرضاً للخطر أيضاً، فضلاً عن مواقف حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله التي أعلنها صراحة، بأن الحرب القادمة، إن وقعت، لن تكون سورية- إسرائيلية، أو سورية- أمريكية- إسرائيلية، وأن دمشق ومصير العدوان عليها يفترض الرد على تل أبيب وما هو أبعد منها.

وينظر هنا باهتمام إلى تبعات أية مغامرة أمريكية غير مقررة في الهيئات والمؤسسات الدولية، صاحبة القرار في مثل هذه الظروف، كما ينظر باهتمام أيضاً إلى التباينات الواسعة في صفوف أصحاب القرارات الاستراتيجية الأمريكية وتبعاته أمريكياً ودولياً ومناطقياً أيضاً.. إذ تمنع الرئيس أوباما للمرة الأولى على الرد على أسئلة الصحفيين، وهذا ما يشكل بحد ذاته سابقة وخذلاناً من الحلفاء، وإلى عقد قمة العشرين الدولية المقررة خلال الأيام القادمة، كذلك إلى حجم التباينات بين موقف أوباما الانتخابي ب(الحد من الحروب، التشاركية، الحوار السياسي.. إلخ)، وإلى حجم هذه التباينات بالدعوة إلى حلول (متوازنة) للإشكاليات القائمة، وهذا ما يتناقض مع مؤتمره الصحفي (غير الصحفي محلياً) في البيت الأبيض (1 أيلول).

أسئلة كثيرة تفرضها الأيام والأسابيع القادمة، وجوهرها كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع إشكاليات معقدة في الشرق الأوسط، ومع مواقف إيجابية دولية آخذة في الاتساع والتأثير ضد هذا التوجه- (الاعتداء المحدود)، بغض النظر عن مدته الزمنية، وبأنه يشكل عملياً عقبة صعبة على طريق الحل السياسي للأزمة في سورية، التي بدأت قبلاً في الدول الممتنعة أو الرافضة لهذه الخطوة الرعناء، وبضمنها إسرائيل القلقة جداً من تبعاتها عليها (يشير إلى ذلك صراحة وعلناً الإعلام الإسرائيلي).

أيام قليلة تفصلنا عن التواريخ والأزمنة المحددة لهذه العملية (التأديبية) والأمريكية القادمة، وفي مقدمتها إمكانات الصمود السوري الذاتي، وتحالفاته المبدئية الصادقة، ورفضه سياسة الإملاء أو الحلول غير (المتوازنة) والتي ليست عادلة بالضرورة، أكدتها مواقف إسرائيل نفسها عبر خشيتهم من آثار هذه الخطوة غير المحسوبة.

أما أوباما وفريقه المنقسم بين مؤيد أو معارض لهذه الخطوة التصعيدية، فإن مصيرها لن يكون أفضل من سابقاتها، بسبب من فرادة وخصوصية الحالة السورية المتماسكة، والرافضة بأغلبيتها للتدخل الخارجي الهادف إلى تعديل موازين القوى قبل مؤتمر جنيف ،2 كذلك مواقف المعارضات السورية الخارجية، التي ترى في هذا التدخل تغييراً جوهرياً في موازين القوى يمكّنها من الدخول في العملية السياسية بوضع أفضل.. هذا ما تؤكد عكسه التطورات الميدانية – اليومية على جميع جبهات الصراع مع هذه المجموعات المرتبطة بالخارج، والمرتهنة بالقرارات غير السورية أساساً.

العدد 1105 - 01/5/2024