الأمم المتحدة وضرورة استعادتها لدورها المرجعي

تنعقد دورة اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة السنوية، في الثلث الأخير من كل عام، ويحضرها رؤساء الدول الأعضاء وزعماؤها وممثلوها في هذه المرجعية الأولى، وتناقش هذه الدورات القضايا الدولية المختلفة، وغالباً ما تصل إلى بيانات عامة بشأنها، وإلى قرارات غير (ملزمة) بشأن القضايا الساخنة أيضاً. ورغم (زحمة) القضايا التي تطرح سنوياً على هذه الدورات، فإن الكثير من القضايا ستميز هذه الدورة عن سابقاتها، بسبب من التطورات التي شهدها ومايزال عالمنا، وبخاصة في العامين الماضيين.

إن الدورة ال68 للجمعية العمومية التي تنعقد بتاريخ 23/9/2013 حافلة بتطورات عديدة عالمية ومناطقية هامة، إذ سبق هذه الدورة انعقاد قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في إيرلندا، كذلك قمة دول العشرين الدولية في مدينة سان بطرسبورغ الروسية وإشكالياتهما الاقتصادية والسياسية، وما رافقهما وتزامن معهما من قمم ثنائية وشبه جماعية، وفي المقدمة القمتان الروسية – الأمريكية، بعيد إعادة انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا، وشين جينغ بينغ رئيساً للصين، وكذلك حسن روحاني رئيساً لإيران. (القمة الثانية استمرت نحو نصف ساعة تقريباً).

وعلى الرغم من كثرة القضايا الدولية المطروحة في العام الماضي، وبخاصة القضايا الدولية الروسية- الأمريكية- الأوربية، بدءاً من العلاقات الثنائية إلى المسائل الأخرى الساخنة، وبضمنها مسألة الدرع الصاروخية الأمريكية، والعديد من القضايا الهامة لهذه الدول، وبضمنها الأزمة المالية الغربية أساساً، فإن القضايا المناطقية ستفرض نفسها بقوة على هذه الدورة. إذ تتصدر مرة أخرى بعيد قمة العشرين الأزمة السورية وآليات حلها، وبخاصة مؤتمر جنيف 2 المؤجل مرات عديدة! كذلك مسألة الإشراف الدولي على السلاح الكيميائي السوري الذي يفتح الباب منطقياً وواسعاً أمام مسألة قديمة – جديدة (طرحتها سورية عام 2003 والخاصة بإقامة منطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل الكيميائي والنووي)، إضافة إلى الملف النووي السلمي الإيراني، و(استئناف) المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية المتوقفة رسمياً منذ أكثر من ثلاث سنوات.

إذ يفترض بهذه الدورة، كما سابقاتها، أن تشهد لقاءات وقمم ثنائية تطغى، أو تؤشر على نحو أو آخر على البيان الختامي لهذه الدورة. ونشير هنا إلى بدء (حلحلة) العلاقات الإيرانية- الأمريكية والغربية عموماً، وخاصة بعيد إعلان الاتحاد الأوربي والتلميحات الأمريكية عن فتح صفحة جديدة في العلاقة مع إيران، وفي الصدارة مسائل الحصار الاقتصادي (الغربي) أساساً، والملف النووي السلمي الإيراني، كذلك إلى (المصافحة) المنتظرة بين أوباما وروحاني، كذلك ضرورة تحديد أولي، لكنه ملزم، لعقد مؤتمر جنيف 2 الخاص بالأزمة السورية بعد قبول دمشق رسمياً به، والذي يزداد أهمية بعد إعلان دمشق موافقتها على إشراف دولي على ترسانتها الكيميائية (سلاح الفقراء) والبحث في كيفية حلها (تكاليفها، أماكن نقلها، أو تدميرها، مدتها الزمنية.. إلخ)، وهذا ما أشار إليه بوضوح حديث الرئيس السوري بشار الأسد مع (فوكس نيوز) الأمريكية قبل أيام قليلة، وما تضمنه من إشارات واضحة مرة أخرى، حول طرح إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وبخاصة إسرائيل. (أشار إلى هذا بوضوح الرئيس بوتين قبل أيام قليلة، وبعد قبول سورية بالإشراف الدولي على أسلحتها الكيميائية بقوله: وماذا حول السلاح النووي والكيميائي الإسرائيلي)؟

ولا نغفل هنا الملف الكوري وما يشهده من أزمات وانفراجات بين الحين والآخر، وتالياً ضرورة وضوح الموقف (الدولي) تجاهه وآليات حله. ويضاف إلى هذه الأزمات والإشكاليات المناطقية، تداعيات ما يسمى ب(ثورات الربيع العربي) التي تعيش أزماتها، وبخاصة التغيير التدريجي الجاري في مصر ضد الأخونة، والحوارات التونسية- التونسية حول مستقبل تونس وطبيعة توجهها، وإنهاء نظام الأخونة فيها أيضاً، فضلاً عن الأزمة الليبية -(الدولية) التي لم تلحظ بعد مؤشرات لحلول بشأنها، باستثناء ضمان استمرار تدفق النفط الليبي إلى أوربا.. كذلك استئناف المفاوضات غير المجدية الفلسطينية- الإسرائيلية، في ظل المواقف المتطرفة الإسرائيلية الرافضة للالتزام حتى بالاتفاقيات الثنائية، على علاتها ونواقصها ومخاطرها، والمواقف الأمريكية المرنة تجاهها، وبضمنها تصريح وزير الخارجية الأمريكي في جولته السابعة أن (الاستيطان لن يشكل عقبة أمام استئناف المفاوضات)!

وإذا كانت (زحمة) الإشكاليات المناطقية ستطغى على جدول أعمال الدورة ال68 للجمعية العمومية، فإن أزمتَيْ الملفين الإيراني والسوري خصوصاً، ستتصدران غيرهما من القضايا. نشير هنا خصوصاً إلى (المرونة) الأوربية-  الأمريكية تجاه التعامل مع القيادة (المعتدلة) الإيرانية! (أشار روحاني إلى أن المرونة والاعتدال لا يعني التراجع عن الحقوق الثابتة لإيران، وبخاصة مسألتَي رفع الحصار وحق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية).

كما نشير في هذا السياق إلى المواقف الإيجابية المبكرة لسورية حول مسألتَيْ عقد مؤتمر جنيف ،2 الذي لم يحدد الطرف الآخر من يمثله بعد، وماهية (الوفد المفاوض) وصلاحياته ومرجعياته أيضاً، وقدرته على ضبط إيقاعات وعمليات العصابات المسلحة من جهة، والموافقة السورية على المبادرة الروسية والبحث في آليات تنفيذها والإشراف عليها من جميع جوانبها من جهة ثانية.. وبالتالي إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وعملياً نقل (الكرة) إلى الملعب الآخر.

وإذا كانت المبادرة الروسية حول الأسلحة الكيميائية السورية قد أسقطت ذرائع التدخل الخارجي، وبخاصة الأمريكي- الفرنسي، فإنه يعاني تبعات المبادرة الروسية والموافقة الإيجابية السورية عليها، كذلك من الرفض الشعبي – البرلماني – الحزبي الغربي الساحق، وبضمنه الأمريكي لأية مغامرات منفردة وتالياً تبعاتها.

وإذا كانت المبادرة الروسية والموافقة السورية الإيجابية عليها، قد نقلت الكرة إلى الملعب الآخر (الغربي) عموماً، والأمريكي خصوصاً، فإن تبعاتها المباشرة تتلخص راهناً في الجهات المعطلة عملياً لعقد مؤتمر جنيف 2 وأزمات أصحابها أولاً وأدواتها ثانياً، وانعكاسات ذلك على (المعارضات) الخارجية والعصابات المسلحة، وبالتالي طبيعة وماهية الطرف الآخر المفاوض المفترض، وأزمته الداخلية، وماهية علاقاته مع الأدوات المناطقية الصغيرة أيضاً.

كما أن المبادرة الروسية فتحت سجالاً دولياً حاداً، وخاصة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مؤخراً، حول شمول نزع أسلحة الدمار الشامل كل دول المنطقة، وبضمنها إسرائيل، التي مازالت ترفض مجرد إخضاع منشآتها النووية والكيميائية للرقابة، أو التفتيش الدولي من جهة، كذلك رفض أو استبعاد التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية من جهة أخرى وتبعاته.

فضلاً عن اتضاح مسألة بالغة الأهمية عملياً والمتمثلة في سقوط أوهام تكرار سيناريوهات (الربيع العربي) وأزمات دوله وداعميه، وعن القناعات المتزايدة دولياً، من الدول التي اتخذت موقفاً إيجابياً متوازناً من الأزمة السورية منذ بدئها.. و(اقتناع) الدول (الغربية) المتزايد عموماً، والأمريكي خصوصاً، بأن التغيير الخارجي الإرادوي قد فشل، وأن الحل كان وسيبقى سورياً.. وهذا ما تعاملت معه دمشق بدقة ودراية منذ بدء الأزمة حتى تاريخه، والذي بدأ ينعكس سلباً على هؤلاء الذين راهنوا على تكرار سيناريوهات (الربيع العربي) خلال أسابيع أو أشهر قليلة في الحد الأقصى.. وأن الإنجازات الميدانية السورية في الأشهر الأخيرة تفعل فعلها، كما فعلت دقة التحالفات السورية الإقليمية والدولية فعلها أيضاً.. فضلاً عن أن زحمة القضايا المناطقية خاصة، و(الدولية) عموماً في الدورة ال 68 للجمعية العمومية تؤكد مرة أخرى فشل الأحادية القطبية، وأن التعددية القطبية باتت حتمية في التعامل مع إشكاليات عالمنا وقضاياه، وفي المقدمة دور هذه المرجعية الدولية وأهميتها.

العدد 1107 - 22/5/2024