لا تنمية بلا تعليم مرتبط بالمجتمع رفع أقساط ورسوم التعليم العالي يحرم الطلبة من المقعد الجامعي المجاني

سقطت الأقنعة، ولم يعد بمقدور وزارة التعليم العالي إقناع أحد من المواطنين، أنها لن تقترب من مجانية التعليم، أو أنها لن تزيد من تكاليف الأسر وأعبائها، في سعي هذه الأسر لتأمين مستلزمات التعليم لأبنائها.

فبعد القرار الذي اتخذته الوزارة، القاضي بزيادة كل أقساط التعليم العالي ورسومه في الجامعات، لم يعد ما يدع مجالاً للشك في أن الوزارة والحكومة بحكم المؤكد، بدأت تتخلى عن نهج مهم واستراتيجي يتعلق بمجانية التعليم، وترمي خلف ظهرها إنجازات كبرى تحققت بفضل هذا النهج. كما لابد أنها تعلم يقيناً أن زيادة أقساط التعليم العالي يعني أولاً عدم إعطاء الفرصة التعليمية المناسبة لشريحة كبيرة وواسعة من الطلاب، والحؤول دون تمكينهم من الحصول على مقعد في إحدى الجامعات، ووضع عراقيل مادية كثيرة تفرض على عدد من الطلبة للتخلي عن حقهم المشروع في التعلّم.

حاولت وزارة التعليم العالي تبرير قرارها برفع أقساط التعليم المفتوح والموازي ورسوم التعليم العام، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم ما هو مُقْنع، لاسيما أن الأعباء المعيشية التي فرضت على الأسر السورية، زادت عن الحدود التي يمكن أن تطاق، وتجاوزت قدرة البشر على الاحتمال، وأتت هذه الزيادة في الرسوم والأقساط لتصب الزيت فوق النار.

إن التعلّم حق مشروع لأبناء سورية، وواجب الدولة تجاه شعبها تأمين كل ظروف التعلّم ومستلزماته بمختلف مراحله، والارتقاء بواقعه، والنهوض بمؤشراته، وتحقيق الجودة وفقاً للمعايير العالمية، لا أن تركز على رفع الأقساط، وزيادة الأعباء، وهو الشرط الذي لن يحقق الهدف من العملية التعليمة، لجهة المحافظة على حق التعليم، وضمان الفرصة التعليمية المناسبة لكل فرد. فكيف ستبنى البلاد، ويتطور اقتصادها، دون مخرجات العملية التعليمية المؤهلة؟ وكيف سيتحقق شعار ربط الجامعة بالمجتمع، دون تعليم مجاني يفتح الأبواب أمام الجميع محققاً تكافؤ الفرص في هذا المجال؟ وهل الأسر السورية قادرة على تسديد تكاليف العملية التعليمية استناداً إلى معدلات الدخل الحالية؟ هي أسئلة كان يفترض بوزير التعليم العالي أن يجيب عنها، ويقدم إجابات واضحة وصريحة، بدلاً من قوله في لقاء تلفزيوني رداً على سؤال: من أين سيتدبر الطلبة أحوالهم؟ بقوله مع ابتسامة فيها الكثير من السخرية: بدبروا حالهم.

لايمكن أن تتحقق تنمية دون يد عاملة مدربة ومؤهلة، وكوادر علمية تلقت تعليمها العالي لتسهم في بناء بلدها، ولا يمكن تحسين الأوضاع الاقتصادية دون مخرجات التعليم العالي، وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول لزيادة مخصصات التعليم، ودعمه.. فاجأتنا وزارة التعليم العالي باتخاذها هذا القرار الذي يقضي حتماً على أحلام الكثير من الطلبة وطموحاتهم، ويحرمهم من الحصول على فرصة التعليم العالي، ما يتطلب إعادة النظر به، بل وإلغاءه فوراً.

العدد 1107 - 22/5/2024