«نادي الأمهات العازبات»… البعد عن التنظير المجاني

حين يغيب الاستقرار العاطفي عن كينونة الأسرة، يتمادى الأطفال في التحدي والتمرد على سلطة المدرسة وهيبة الأم، باعتبارهما العامل الأساسي في بناء الشخصية الانفعالية وتنمية المدارك الأخلاقية. بينما يعمق غياب الأب واستهتاره بدوره كمؤسس لغريزة الحماية والإحساس بالأمان فراغ الانضباط المجتمعي، مما يحجم الثقة والاحترام الذاتي عند الأبناء. وتقودنا هذه التداعيات الأسرية إلى الأجواء الحميمة للفيلم الأمريكي (The single moms club)، حيث تعرض نماذج متنوعة لتواري الأمهات وراء مشاغلهن الخاصة، مما يدفع الأبناء في إحدى المدارس النموذجية إلى الانحراف عن السلوك المعياري.

 تدور قصة الفيلم حول خمس نساء من خلفيات اجتماعية مختلفة، يجمعهن واقع الطلاق الذي يبرر للزوج خروجه عن مدار الأسرة. بداية بجان مديرة دار للنشر، التي تعتبر ابنتها كاثرين قيمة مضافة إلى نجاحها الاقتصادي والمهني كامرأة مستقلة. وليديا المرأة القوية التي تعمل نادلة لتجنب ابنها حكيم مصير والده وأخويه السجناء بتهمة الاتجار بالمخدرات. وأسبيرانزا التي عجزت عن مواجهة تبعات زواجها الفاشل من بائع سيارات ثري يتحكم بمصيرها ويحدد شكل علاقتها بابنتها الوحيدة فيرونيكا. أما هيلاري فربة منزل بسيطة وأم لثلاثة أطفال، تجد نفسها فجأة أمام واجباتها كأم، والتي أهملتها بسبب حياتها زوجةً مترفة ألقت بمسؤولياتها على عاتق المربية. بينما تتأتى مشكلة الكاتبة الصحفية ماي مع ابنها ريك بتحطم أيقونة الأب، بفعل التشوش الذهني الذي يفرضه تعاطي المخدرات.

تجتمع النسوة الخمس في غرفة مديرة المدرسة ليواجهن التوبيخ والتهديد بطرد الأطفال، فريك كان يلوث الجدران بالملصقات خارج أوقات المدرسة، وحكيم يلوثها بالبخاخ، والباقون جربوا التدخين، بينما أضافت كاثرين إلى سمعتها تهمة إجبار صبي من مدرستها على تقبيلها في الحمام. لذلك فرضت المديرة على النساء المشاركة في جمعية للرقص المسرحي تابعة للمدرسة ودعمها بالتبرعات اللازمة، فمستقبل الأطفال في المدرسة يتوقف على مدى استجابتهن. فيتحقق للنسوة فرصة تبادل الخبرات والتجارب الحياتية، والعمل كمجموعة واحدة تمهد لإنشاء ناد للأمهات الوحيدات. وفي الوقت نفسه يقتربن من مشكلات أطفالهن ويواجهن تداعيات الفشل في العلاقة العاطفية. وطرح فكرة التعاون بين الأمهات جاء لاستدراك ما فاتهن من متابعة أمور الحياة وإعادة التأهيل الاجتماعي لبناء علاقات أسرية سليمة.

ركز الفيلم على فاعلية الأم ودورها الإيجابي في تعويض غياب الأب، وخاصة في حالة جان التي أنجبت ابنتها من خلال متبرع مجهول، لتثبت قدرتها على إدارة حياتها باستقلالية تامة. مما وضعها أمام أسئلة صعبة وهواجس غير متوقعة. فابنتها التي واظبت على أشغالها بغياهب النسيان، صارت تحلم بالزواج لإنجاب أطفال شرعيين يشاركها العناية بهم رجل حقيقي. من هنا اضطرت الناشرة للتخلي عن دورها القيادي كسباً لابنتها الوحيدة. بينما في حالة الصحفية عوضت الأم غياب الأب وساعدت ابنها على تجاوز الانتظار العبثي لأبٍ لن يأتي. أما هيلاري فتعلمت كيف تدير مهامها كأم وحيدة، وكيف تكسب صداقة ابنتها اليافعة التي أهملتها سابقاً.

تنقل المخرج (Tyler perry) بين اللوحات المتنوعة بحيوية مرحة أعطت الفيلم طابعه العائلي المحبب، وبالتالي أبعدته عن التنظير المجاني الذي دأب على إلحاق السوداوية والكآبة بمشكلة الطلاق. وجاءت الخاتمة الرومانسية لتعزز الأمل وتقدم فرصاً مقبولة للخيارات البديلة المنفتحة على الآفاق الجديدة، للأبناء والأمهات على حد سواء.

العدد 1107 - 22/5/2024