«القرار 2118»… حتمية الحل السياسي وموضوعة أسلحة الدمار الشامل

لم يأت قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2118 الذي صُوّت عليه بالإجماع في 27 أيلول، بمعزل عن العديد من التطورات الدولية والمتباينة والمختلفة التي سبقت صدوره، أو تزامنت معه.. كذلك مواقف الأدوات الإقليمية والمحلية التي لم (ترتح) للقرار، وبضمنهم ما يسمى (مجموعة أصدقاء سورية)، أو بدء عملية الحوار والحل السياسي للأزمة في سورية.

فقد فتح تصويت اللجنة التنفيذية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي (27 أيلول) من دون الاعتماد على الفصل السابع، وانضمام سورية إلى هذه المنظمة، الطريق للتصويت الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي، كذلك النقاشات الساخنة حول هذه المسألة، التي شهدتها الدول الخمس الدائمة العضوية في اجتماعاتها التحضيرية قبيل عقد جلسة المجلس، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمبعوث الدولي إلى المنطقة الأخضر الإبراهيمي. كذلك نقاشهم حول تحديد موعد لعقد مؤتمر جنيف ،2 الذي يرجح المراقبون، وهذا ما أعلنته موسكو أيضاً، عقده في منتصف شهر تشرين الثاني، والبدء بالعملية السياسية لحل الأزمة في سورية.

وفي هذا الإطار ينظر باهتمام إلى تباينات الدول الخمس الدائمة العضوية وخلافاتها، بين محور (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا) الذي أصر في نقاشاته على تضمين البيان لغة تهديدية تعتمد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبين محور (روسيا، الصين) الذي تؤيده غالبية دول العالم، وترفض سياسة التهديد أو التدخل الخارجي في الأزمة السورية، وتطالب بالبدء بالحوار والحل السياسي بتحديد موعد نهائي لجنيف ،2 وإطلاقه مرحلة جديدة من العمل السياسي حول هذه الأزمة.

إذ شن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هجوماً في الجمعية العمومية على الدول التي لاتزال تهدد باستخدام القوة ضد دمشق: (إن استخدام السلاح الكيميائي من أي طرف غير مقبول، إلا أن هذا لا يسمح لأي شخص أن يعطي نفسه حق الاتهام والإدانة.. هذا يخرق ميثاق الأمم المتحدة). مؤكداً أن (الطريقة الوحيدة لوضع حد للأزمة في سورية، هي عبر الانتقال إلى الحل السياسي.. سنواصل العمل من أجل عقد جنيف 2).

كما أكد لافروف لوزير خارجية سورية وليد المعلم (أن الحل السياسي للأزمة في سورية، يحفظ وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها)، مشدداً على (ضرورة تجنيب المنطقة والعالم آفة الإرهاب التي تضرب سورية.. إن أي قرار جديد عن مجلس الأمن لن يكون تلقائياً، بل يحتاج إلى مشاورات تمهد لصدور قرار دولي ثان).

هذا في الوقت الذي أيدت فيه الدول الثلاث (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا) امتعاضها من عدم إمكان تمريرها لمشروع القرار الغربي، ينسجم مع توجهاتها، وإن كانت قد عبرت (نظرياً) عن تأييدها للحل السياسي للأزمة في سورية. (كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مثلاً). في الوقت الذي مازالت فيه هذه الدول تدعم العصابات المسلحة، بهدف إحداث تغيير في موازين القوى قبيل عقد مؤتمر جنيف ،2 أو إطالة أمد الأزمة ما أمكنها ذلك، وانعكاساتها على سورية اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً أيضاً. رغم ما تعانيه هذه الدول من صعوبات لإقرار توجهها هذا، سواء في الكونغرس الأمريكي أم في مجلس العموم البريطاني (البرلمان)، ومواقف الأحزاب الفرنسية (من اليمين إلى اليسار)، فضلاً عن مواقف الغالبية الشعبية الساحقة في هذه البلدان ضد استخدام القوة أو التهديد ب(عدوان محدود) أو (ضربة جزئية) ضد سورية.

وتفضل غالبية هذه الدول الأوربية الإسراع في البدء بالحوار والحل السياسي، وتأييدها لجنيف .2. وتتقاطع بذلك مع مواقف غالبية دول العالم، وبخاصة روابطه وتكتلاته الهامة، التي عبرت عن مواقفها هذه في اجتماعاتها الأخيرة، وبضمنها بيان الدول الثماني الصناعية الكبرى في إيرلندا مؤخراً، وبيان مجموعة العشرين الدولية الأخيرة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية قبل أيام، كذلك قمة منظمة شانغهاي للتعاون الدولي، التي عقدت في العاصمة القرغيزية بشكيك.

ولا نغفل هنا التنسيق حول هذه المسائل، الذي شهدته ولاتزال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها ال68 بين دول مجموعة بريكس الدولية (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا).

كما نشير هنا إلى تصريح د. بشار الجعفري، ممثل سورية الدائم لدى الأمم المتحدة، ووصفه القرار بأنه (أزال المخاوف حول التهديد والتدخل الخارجي)، ومهّد عملياً للحوار والحل السياسي. مضيفاً أنه ينبغي أن يشمل انضمام كل دول المنطقة، وبخاصة إسرائيل، إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل. كذلك كلمة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، الذي أشار إلى ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذه الأسلحة، وإعلان العراق انضمامه إلى المعاهدة. كذلك إشارة المعلم إلى ارتياح سورية للقرار، وخاصة البند السابع، الذي سيطبق على الجميع، وبضمنها المجموعات والعصابات المسلحة الإرهابية: (إن القرار ينسجم مع الموقف السوري الذي أعلنه الرئيس الأسد.. نحن جادون في تنفيذ التزاماتنا، بغض النظر عن قراءة الآخرين الذين هم متآمرون على سورية).

لقد كشف القرار 2118 وما رافقه وما سبقه من مواقف ونقاشات، العديد من المسائل ومنها:

* المواقف (النظرية) لمحور (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا)، وما يمثله حول الدعوة إلى الحلول السياسية، وضرورة الإسراع في عقد مؤتمر جنيف ،2 المؤجل مرات عديدة، والذي يستند إلى وثيقة جنيف 1 في حزيران من العام الماضي، التي افترضت آنذاك عقده خلال أسابيع قليلة! هذه المواقف النظرية المترافقة مع استمرار دعم هذه الدول مباشرة أو عبر وكلائها وأدواتها الصغيرة للجهاديين والتكفيريين بصيغ وأشكال مختلفة، وبضمنها الدعم العسكري. ويصرح العديد من مسؤوليها في مناسبات عديدة، بضرورة تعديل موازين القوى في سورية قبل البدء بالعملية السياسية، وتعيين ممثلين بعينهم إلى مؤتمر جنيف 2.

* ما أكده القرار 2118 وما سبقه من نقاشات وتباينات، وتأكيد انتهاء مرحلة الانفراد أو التفرد في التعاطي مع الإشكاليات التي يواجهها عالمنا، وتالياً ضرورة وحتمية العودة إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها في اتخاذ القرارات والحلول لهذه المشاكل والصعوبات، وبالتالي بدء أفول مرحلة الأحادية القطبية لصالح التعددية القطبية، واحترام المؤسسات الدولية وقراراتها الجماعية أيضاً، كما أكد ضرورة وقف أي دعم أو مساندة لأي جهة في استحداث أسلحة الدمار الشامل، وبضمنها السلاح الكيماوي.

* تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، عقب اجتماعه مع ما يسمى ب(مجموعة أصدقاء سورية) على هامش أعمال الجمعية العمومية، الذي دعا فيه إلى عدم استخدام مؤتمر جنيف 2 وسيلة لإضفاء الشرعية على النظام السوري! مطالباً في الوقت نفسه بتكثيف الدعم ل(المعارضات) الخارجية والعصابات المسلحة للدفاع عن نفسها، وضرورة تغيير موازين القوى في سورية أيضاً!

* حجم التعارض وصولاً إلى الاقتتال العسكري بين العصابات المسلحة، وانعكاساتها على المواطنين في المناطق التي مازالت خارج إطار سيادة الدولة السورية.. كذلك إعلان الكثير من هذه المجموعات (الجهادية) و(التكفيرية) عن رفضها الاعتراف بما يسمى (الائتلاف المعارض) وما يسمى (الجيش الحر)، وبالتالي مصير مؤتمر جنيف 2 حول الجهات التي ستتمثل فيه، ودرجة التوافق والاقتتال بين صفوفها.

ونضيف من جانبنا أيضاً التعارضات بين (الائتلاف) ومجموعة الدوحة من جهة، والمعارضات الوطنية الداخلية من جهة أخرى. فضلاً عن تصريحات العديد من زعماء هذا الائتلاف بأن الهدف من مؤتمر جنيف 2 البحث في تغيير النظام أولاً! وهذا ما يتعارض مع وثيقة جنيف 1 الموقعة في حزيران من العام الماضي، ومع التفاهم الروسي- الأمريكي في أيار الماضي، ومع المواقف الدولية الإيجابية، أو حتى (النظرية) أيضاً.

بقي أن نشير إلى أن موافقة سورية على مؤتمر جنيف ،2 يؤكد حرصها (شعباً وحكومة وأحزاباً وطنية) على الحوار والحل السياسي للأزمة، وأن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 يؤكد مرة أخرى هذا الحرص السوري، وأنه يفترض أن يمهد الطريق لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار  الشامل، وخاصة بعد إعلان العراق، وكلمة مصر، والرئيس حسن روحاني، ولهذا مغزاه ومدلولاته أيضاً.

العدد 1107 - 22/5/2024