اليوم العالمي للمسرح محكومون بالأمل

في السابع والعشرين من آذار من كل عام تحتفل الأوساط الثقافية باليوم العالمي للمسرح، وتتلى كلمة موحدة على خشبات مسارح العالم، يلقيها أحد الوجوه المسرحية العالمية البارزة، وقد ألقاها الكاتب المسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس عام 1996 وجاء في مقدمتها:

(كلّفني المعهد الدولي للمسرح التابع لليونسكو بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي لعام 1996 وقد كتبت هذه الرسالة التالية، التي تُرجمت إلى لغات العديد من بلدان العالم، وقرئت على مسارحها:

لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي عنوان وثيق الصلة بالحاجات التي يلبيها المسرح، ولو على المستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان (الجوع إلى الحوار).

حوارٌ متعدد، مركّب، وشامل.

حوارٌ بين الأفراد، وحوار بين الجماعات، ومن البديهي أنّ هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء.

وعندما أجسّ هذا الجوع، وأدرك إلحاحه وضرورته، فإني أتخيّل دائماً أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموّج متسعاً ومتنامياً حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه، وتنوع ثقافاته).

***

 المسرح أبو الفنون، وأكثرها قدرةً على الحوار وإبراز التنوع والاختلاف والتعامل المباشر الصادق والشفاف مع الجمهور…

إنه صفحة بيضاء قادرة على استيعاب كلّ ما نريد تجسيده عليها، بل قادرة على إعادة تشكيلنا وخلقنا من جديد وفق مقتضيات العصر وتقدم المعرفة الانسانية.

هو نقطة التقاطع والتبئير بين وجدانات المتلقين والعاملين على الخشبة ومن خلفها وحولها…

هو مرايا كاشفة لجهود متضافرة للعناصر المكونة للعرض المسرحي نصاً وتمثيلاً وإخراجاً.

المسرح قوة عظيمة في التأثير الروحي والوجداني على المتلقين الذين ينشدون الاتصال معه منذ نشأته في أحضان الدين إلى انطلاقته المدوية في رحاب الحرية ومعاركها تخلصاً من أسر الضرورة وتملكاً معرفياً لها.

هو الفن القادر على تطوير الوعي والارتقاء بالشعور الجمالي في المجتمع والوصول به إلى مستوى النبل الأخلاقي وتكريس القيم الوطنية، وهذا ما يحدد مهمته التنويرية العظيمة، التي تتلخص في إحياء منظومة القيم السامية التي تفتقدها البشرية المعاصرة بشكل تتزايد فيه غربة الإنسان وأشكال استلابه وتحويله إلى سلعة في سوق التداول.

يذهب الناس إلى المسرح من أجل الفرجة، وإزالة الهموم، وتفريج الكروب والشدائد عن أنفسهم (التطهير)، ولكنهم يخرجون وقد شحنوا بمشاعر وأفكار، واغتنوا بمعرفة صيرورة وتشكل النفس البشرية التي أهدرت قيمتها في أسواق الخسة والنخاسة.

المسرح إذاً فنّ المحاكاة والتطهر والتسامي والاندماج والانفصال (التغريب) في عضوية واحدة تعلي من القيم الإنسانية، وتكرّس النبل الأخلاقي.

قوة المسرح تكمن في كونه فناً جماعياً واجتماعياً يستقطب في وحدة متناغمة منسجمة نتاج كلٍّ من المؤلف (النص) والممثل والمخرج وفناني الموسيقا والرقص والديكور والازياء والإضاءة وغيرهم، مما يشكل خطّ الفعل المتصل وتكامل العرض المسرحيّ، فتكتمل الفرجة بوصفها تجسيداً ودلالة لكليّة اجتماعية تاريخية.

أحد مقاييس عظمة الأمم هو تطور الحركة المسرحية فيها وازدهارها وانتشارها، لأن الفن المسرحي أفضل تعبيرٍ عن منسوب الحرية والعدالة والمساواة في المجتمعات، وهو معبّر صادق وأمين عن مستوى التطور الثقافي والغنى الإنساني لأبناء المجتمع، وهو قوة الكشف والتحريض ونشر المعرفة والدعوة إلى التغيير والانتقال من الرتابة والثبات إلى الحركة والتقدم، ومن القديم إلى الجديد في البنية النصية وفي العرض المسرحي، وفي البيئة الاجتماعية الحاضنة والمنتجة للعرض المسرحي.

متى تعود الحياة إلى مسرحنا السوري، فننعم بالفرجة والمشاركة الوجدانية والتوحد الإنساني المتجسد على خشباته؟…

ومتى تنتهي هذه التراجيديا التدميرية المروّعة في بلدنا؟

إننا، كما قال سعدالله ونوس: (محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.)

العدد 1105 - 01/5/2024