ويبقى الشباب.. عصب الحياة الاجتماعية

الفن.. إنه الدلو الذي نلقي به إلى أغوارنا البعيدة.. إنه الكأس الذي نسكب فيه ما تعتق في دنان الروح لنتساقى فنجب مهاوي الظمأ..

أنجزت فرقة النهوند الشبابية للفنون فيلماً سينمائياً مدته ستون دقيقة بعنوان (وطن.. وكمل من عندك) والفيلم كوميديا سوداء، يترك على الوجه ابتسامةً ناعمة وفي العين دمعةً حارقة.. وفرقة النهوند للفنون هي مجموعة من الشباب الجامعي تعاهدوا على العمل معاً حين وجدوا الصمت ثقيلاً إزاء ما يحدث حولنا. وتتكون الفرقة من شبانٍ وفتياتٍ أكبرهم بعمر السادسة والعشرين عاماً، وجميعهم من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، ونصفهم تقريباً مهجرون خارج منازلهم بفعل الأعمال الإرهابية.. وقد ادخر أعضاء الفرقة المال من مصروفهم الشخصي قرابة العام حتى تمكنوا من إنجاز الفيلم.. وصُوّرت مشاهد الفيلم عدة مرات لعدم امتلاك الفنانين الشباب سوى كاميرا وحيدة، مما اضطرهم لتكرار المشاهد لالتقاطه من زوايا مختلفة.. إنهم وبكل فخر مثالٌ للشباب السوري المجتهد الذي أعرض عن الهجرة والذي لم يُغرر به لا الغريبُ المجرم ولا ابن البلد ممن يستغل الأزمة كي يكنز المال.. هؤلاء الشباب لم يختاروا فقط البقاء على هذه الأرض الطيبة، بل أنجزوا فناً هادفاً دون أن يهملوا دراستهم. ولم تمنعهم القذائف الهاطلات المدويات، أو صعوبة التنقل بالمواصلات العامة، أو غلاء المعيشة من التعبير عما في صدورهم فناً وفناً.. وجاء على لسان مخرج فيلم (وطن.. وكمل من عندك) محمد الخليل:

إن التجربة هي أم المعارف، والخبرة هي وليدتها، والعمل المشحون بالحب والمحاولة يلملم تفاصيل النجاح بكل قدر.

(وطن.. وكمل من عندك) تأليف وسيناريو زياد العامر (حلاج الياســـمين)، تمثيل: أشرف عفيف – عبد الرحمن سمسمية – رامي عدرا – جريس عنيـــــد – محمد الخليل – مادونا حنا – عبد الرزاق السعيد.

((عندما لانستطيع أن نكمل وصف الوطن لأنه عبارة حب مبهمة.. عندما نضيع بين الحروف المبعثرة محاولين جمعها لنعطي وطناً.. نجد ذاتنا منفصمة.. مُجرّحة آهاتنا نبحث عن وطن.. وكمل من عندك))

تلك الكلمات هي أول ما يظهر على الشاشة، وهي تختصر الفيلم لا تطرحُ الوطن كشيء جدلي كما توحي للوهلة الأولى.. حيث نرى في عبارة (وطن.. وكمل من عندك) إجاباتٍ قطعية الورود، وطن.. السلام، الأمان، الحضارة.. إلى آخره

هكذا يكون الوطن ولا يقوم وطنٌ لإنسان إلا على السلام والتعايش فأنى تقتلون وطنكم وتدمرونه؟ ذلك هو السؤال الاستنكاري الذي يوارب حملة السلاح غير المشروع حين طرحه عليهم، وهاهو شبابنا المبدع يعيدُ طرحهُ وفق رؤيتهِ الخاصة التي قد لا أتفقُ معها في العديد من التفاصيل، لكن يجدر بوسائل الإعلام كافة أن تفتح الأعين واسعاً على الشباب الرصين النشيط وأن لا تركز فقط على إظهار مئات الشباب السوريين الذين تم التغرير بهم، وهم يدلون باعترافاتهم بما اقترفتهُ أياديهم من آثامٍ في حقِّ الأبرياء من أبناء هذا الوطن.

ومن يقصد الصالونات والمهرجانات الثقافية في دمشق تراود مسامعهُ أصواتٌ شابة تساهم في إحياء الحراك الثقافي، وحتى في الصحف المختصة بالشأن الثقافي نطالعُ تلك الأسماء دوماً، فمن ذا من المهتمين بالشأن الثقافي في دمشق لم يسمع بالشعراء الشباب غدير إسماعيل وأيهم الحوري ويوسف القائد ووسام رحال.. وبالشاعرات الشابات مرام دريد النسر وابتسام الحروب والقائمة تطول.

خلال الحرب العالمية الثانية كانت كل ساحة في الاتحاد السوفييتي وأوربا مكاناً للتوعية والفن والأدب.. كان المسرحي أو الأديب عندما لا يجد شيئاً ليصعد عليه ليخاطب الناس، كان يقلب حاويات القمامة الفارغة الضخمة ويرتقي عليها.. ولعلنا اليوم في أشد الحاجة إلى الأدب والفن الهادف التوعوي والنقد الذاتي، بيد أنه يطغى – مع الاسف – الفن والأدب الوجداني البكائي أو العاطفي المشحون بالخيال الذي يصور الأمور بالمفردات الرنانة والمثاليات دون أن يدخل في التشخيص والتفنيد والمعالجة.

العدد 1105 - 01/5/2024