وداعاً يا عبدالله صبّاغ!

لم يعد هناك من رقيب صارم على ما أكتبه للجريدة من مواد، وما يكتبه الرفاق والأصدقاء وسائر المحررين في الجريدة.. فقد رحل فجأة ذاك الذي كان يمسك بناصية اللغة العربية الأصيلة الجميلة، وقواعدها الصارمة، ولا يساوم ولا يهادن على أي خطأ لغوي أو قواعدي.

رحل بعد مرض سريع جداً، الرفيق القديم الأصيل في الحزب الشيوعي السوري، والصديق الودود عبدالله صباغ، العضو السابق في اللجنة المركزية، والشيوعي العتيق الذي كان إخلاصه وتفانيه وتقيّده العادل بأصول العمل الحزبي والصحفي، يسمح له بأن يصحح ما يراه مناسباً، ويسمح لكاتب المقالة أن يطيع ما يفرضه عليه أبو عمار- عبدالله صباغ، بكل رحابة صدر وقناعة.

انتسب أبو عمار إلى الحزب في الخمسينيات من القرن الماضي، واعتقل وأودع السجن على يد مخابرات السلطة آنذاك، وناله من التعذيب الشيء الكثير، حتى أصيب بكسر في ظهره ظلت آثاره واضحة على الدوام.

عاش أبو عمار مكافحاً طوال عمره لكسب العيش الشريف له ولأولاده، وكان ينتقل بكل دقة بين مدرسة وأخرى ليعطي دروسه البليغة في قواعد اللغة العربية التي عشقها، والتي كان يترنم لسماعها وتلاوتها. وكان عليه أن يكافح ضد صعوبات الحياة، وهو ابن المنشأ الطبقي الكادح.. فقد كان والده عاملاً في معمل الأسمنت وذاق مرارة العيش، وكان صوته داوياً حين يتكلم عن الأوضاع المعاشية الصعبة التي يعانيها الكادحون في بلدنا. ولم يكن يغفر لأي سلبية من السلبيات، نتيجة لرغبته الجازمة بألا يرى أية سلبية تجاه أي من المواطنين، وكان، دون تردد، يشير بصراحة إلى مسؤولية الفاسدين عنها.

رغم تمسكه الصارم بالفكر الاشتراكي العلمي، كان الرفيق عبدالله يسعى إلى تجديد الحزب فكرياً وتنظيمياً، ويلح على ضرورة التغيير في أساليب العمل، وما كان يتوانى عن طرح أفكاره بكل شجاعة وبكل حدة أحياناً، ومع ذلك كانت آراؤه تلقى التفهم لدى الحاضرين وبضمنهم المعنيون بالانتقاد.

مات عبدالله وهو يمسك مبادئ الماركسية اللينينية بيد، واللغة العربية الأصيلة باليد الأخرى.

وعلى شبابنا بشكل خاص، وعموم الرفاق المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية، أن يتذكروا دوماً ذاك الرجل الذي رحل، بعد أن عاش نحو ثمانية عقود، لم ييأس فيها لحظة واحدة.

ستبقى في قلوبنا وعيوننا أيها الرفيق عبدالله صباغ!

العدد 1104 - 24/4/2024