يا وطني الرائع يا وطني

بعد مرور قرابة الأربعة أعوام على الحرب في وطني، تبدلت الظروف والأحوال تبدلاً هائلاً، وأبدى المواطن قدرة فائقة على التحمل والتأقلم تطورت بتطور الحرب وانعكاساتها على حياة المواطن اليومية.

أما عن العلاقة بين المواطن ووطنه فيمكن تشبيهها بعلاقة بين كائنين بشريين تمر بمراحل هدوء واستقرار حيناً وتوتر وأزمة أحياناً أخرى، وهي تختلف في زمن الحرب والفوضى عما كانت عليه أيام السلم والاستقرار، ليتبدل موقف المواطن من وطنه بين: حب وكره، قرب وبعد، بقاء وترك، حنين وغربة، إنكار وافتخار… خاصة في ظل سعي المواطن المحموم لتأمين لقمة العيش والمتطلبات الحياتية من ماء وغذاء ومحروقات، بالتزامن مع العمل للبقاء على قيد الحياة الذي طالما كان من أولويات الإنسان.

إنَّ الوطن ليس مجرد قطعة جغرافية من أرض وسماء وهواء، بل هو عبءٌ ثقيل زاد من همومنا، ورُبَّ مواطن يسأل وطنه معاتباً ويقول:

أي وطن يزداد فيه قهر الإنسان؟ أي وطن تهدر كرامة المواطن واحترامه لذاته ولوطنه؟ وأي وطن يضيّق الخناق على أحلام مواطنيه ورغباتهم وحياتهم؟ وأي وطن يستشري الفساد ضمن دوائر الدولة  ومؤسساتها وبين المواطنين الناقمين على أنفسهم ووطنهم كالسرطان ينخر الجسد؟ أي وطن هذا الذي قالوا لنا عنه أنه يتسع للجميع عندما تفوق أعداد النازحين واللاجئين كل التوقعات الوطنية؟ أي وطن  هذا عندما يصل الإرهاب لأماكن سكننا وعملنا؟

آه يا وطن.. همك أتعبنا وكاد يفوق سعة احتمالنا!

لكن يبقى السؤال الملحّ: ما الذي يمكن أن يحفظ هذه العلاقة المهتزة بين المواطن ووطنه ويحميها ويحفظها من أي نفور وتمرد وكره وتخلٍّ رغم كل الضغوطات والظروف القاهرة المحيطة بها؟، فلكل مواطن في أي وطن قدرة وعتبة لتحمل ظروفه وحياته ووطنه.

إن طبيعة العلاقة بين الوطن والمواطن ليست معادلة رياضية جاهزة بمعنى واحد زائد واحد يساوي حب الوطن أو رفضه، كما أنَّ حب الوطن والانتماء إليه والرغبة فيه ليس قالباً جاهزاً متوفراً لمن يرغب فيه، فالانتماء للوطن وحبه لا يُفرض فرضاً وإنما هو رغبة شخصية خالصة لا غشّ فيها، ولها أسبابها العميقة التي تستدعي التحليل لدى كل إنسان، فحب الوطن سرّ عميق يسبر غوره بكل ما تحمل كلمة سرّ من قدسية.

بين الحب والرفض.. فاسمح لي يا وطني  أن أحكي لك حكايتي معك واسمعني فأنا ابنتك:

لقد أتعبتَني كثيراً يا وطني.. أبكيتني كثيراً يا أبي.. مسارات حياتي تغيرت مع تغير ظرفك وواقعك.. فما أرهبها وأصعبها من لحظات، حملت لي تحديات كبيرة وصعبة، لكن حبك يا وطني أكبر، فعلى الرغم من الظروف القاتلة تبقى الحياة التي تنبض فيك أقوى.

أنا أحبك يا وطني، نعم أحبك كما أنت، أحبك وأتنفس حبك في قلبي، وانت يا وطني كنت وما زلت قابعاً في قلبي رغم أن جسدك معتل، موجوع، مثقل بالأحزان والخيبات.

علموني أن الحب قول وفعل، أن الحب ليس عواطف عابرة ومتأرجحة بل هو قرار والتزام.

أنا ابنتك يا أبي قرّرت أن أحتملك وألتزم بك لتنتصر وتقوم من بليتك نافضاً عنك غبار المصيبة اللعينة، راسماً نصراً للحياة يفوق كل شرور الإرهاب الأسود على أرضك المقدسة.

فعلى الرغم من كل المآسي من حولي سأبقى متفائلة، فتفاؤلي هو قوتي وسلاحي، وهو نابع من إيماني بك وبقوة الحياة التي فيك وبشعبك، فشمسك تشرق علينا كل يوم لتفتحنا على الحياة والأمل مع كل إشراق جديد.

ختاماً يا وطني أنا أحببت.. قررت والتزمت لأغنيك  وطني، وأقول: (إني اخترتك يا وطني حباً و طواعية، إني اخترتك يا وطني سراً وعلانية، إني اخترتك يا وطني، فليتنكر لي زمني مادمت ستذكرني يا وطني الرائع يا وطني.. يا وطني الرائع يا وطني).

العدد 1105 - 01/5/2024