السوريون أمام استحقاق السلام

تسارعت المؤشرات التي ترجح قرب انعقاد مؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية.. فقد فتحت موافقة الحكومة السورية على المبادرة الروسية بتفكيك مخزونها من المواد الكيميائية، آفاق العملية السياسية لإنهاء نزيف الدم، ووقف الهدم المتعمد لكل ما أنتجته الأيدي والعقول السورية خلال عقود وقرون، وتمهيد الطريق أمام سورية المتجددة.. الديمقراطية.. العلمانية.

لقد برهنت الوقائع التي لا يمكن لأحد التنكر لها، كم كان مخطئاً من راهن على سقوط سورية الدولة، والنسيج الاجتماعي المنسجم والمتآلف! وكم كان واهماً من اعتقد أن السوريين سيبايعون سكان المغاور والكهوف، أسياد الفكر التكفيري الإقصائي.

الجهود الدولية تتكثف باتجاه عقد المؤتمر العتيد في النصف الثاني من الشهر المقبل، لكن يبدو أن أمراء الحرب، وداعمي المجموعات التكفيرية المسلحة، ومعارضي (إسطنبول) لا تروق لهم هذه الجهود!

ورغم التباين الظاهر في مواقف هذه الأطراف، لكن هدفاً واحداً يجمعهم، وإن حاولوا حجبه تحت ستار كثيف من المبررات والذرائع التي تدخل في خانة اللامعقول، هذا الهدف هو العداء لسورية ولشعبها.

من يضع الشروط المسبقة لوقف نزيف دم السوريين، هو عدو للسوريين.. ومن يستجدي الطرف الأمريكي العودة إلى التلويح بالتوماهوك، عدو للسوريين، ومن يصب المليارات والأسلحة والذخائر في طاحونة الإرهابيين الذين يبقرون البطون- عدو للسوريين.

جنيف 2 يحتاج إلى محاورين يضعون مصلحة بلادهم وشعبها فوق أي مصلحة أنانية ضيقة، فما تحملته جماهير الشعب السوري منذ بداية الأزمة، فاق توقعات أشد المتشائمين في مآلاتها.

وإضافة إلى نهر الدم الذي أدمى القلوب، والتخريب والتهديم والحرق لثروة البلاد الصناعية والنفطية والزراعية، استهدف حصار التحالف الدولي المعادي لسورية لقمة المواطن وغذاءه ودواءه، فوقع بين سندان الإرهاب التكفيري ومطرقة مستغلي هذا الحصار من المحتكرين وتجار الأزمات وأثرياء الحرب وداعميهم في الداخل والخارج. وهجّرت آلاف الأسر قسراً من مناطقها وبيوتها، وتحولت مآسي السوريين إلى فرصة لمجموعات مما هبّ ودبّ تحت تسميات مختلفة، تارة ترفع شعار الموالاة، وأخرى شعارات المعارضة المسلحة، لكن جوهرها واحد، هو الاعتداء على كرامة المواطنين وممتلكاتهم، وزيادة معاناة الجماهير الشعبية إلى حد لا يجوز السكوت عنه. لقد أعلنت الحكومة السورية موافقتها على حضور جنيف 2 دون شروط مسبقة، لكنها تحتاج إلى محاورين يؤمنون بالحل السياسي، لا بتفجير السيارات المفخخة وأكل الأكباد.. ونرى هنا أن المعارضة الوطنية في الداخل والخارج، تلك التي رفضت التدخل الأجنبي، والتفتيت الطائفي، يمكن أن تلعب دوراً هاماً في العملية السياسية، إلى جانب أطياف أخرى رفضت العدوان على سورية. سيعلم الجميع أن جماهير الشعب السوري لن تتنازل عن خياراتها وحقها في اختيار نظامها السياسي الديمقراطي التعددي، المعادي للإمبريالية والصهيونية ولكل أشكال الهيمنة.

البديل عن الحل السياسي في جنيف 2 هو مزيد من العنف والقتل والتخريب، فأي سوري هذا من يضع شروطاً على إنهاء معاناة شعبه؟!

العدد 1105 - 01/5/2024