الطلاق.. لم ولن يكون النهاية

لم يبق الطلاق هذا الطلق الناري الذي يستقر في صدر المرأة، فيجعلها ذليلة تئن بأوجاعها، وتنحني لمجتمع متخلف عن ركب تحولات الحياة الإنسانية الحقيقية. لم يبق كما كان منذ عهود خلت، بل صار سهم سحر لبدء حياة جديدة بلا تزييف أو تجميل، انطلاقاً من استقلالية المرأة المادية، هذا الحق البديهي، ليس بكونه سلاحاً تشهره بوجه الرجل فيشعره بالضعف، إنما بوصفه حماية ذاتية وضماناً تدعمه ثقتها بنفسها وبقدراتها، وبرؤية مجتمع متفهم لم يعد ينزع عن المرأة احتراماً وتقديراً هي جديرة بها، وهي التي صارت مطلقة كآخر الحلول لصراع أو تناحر طويل الأمد بينها وبين الزوج، يكرّس سلماً لازماً وضرورياً، شرط عدم التسبب بالأذى للأبناء أو التنحي بالمحبة واحتكارها لجانب دون الآخر.

أما ردود أفعال المرأة اللحظية واللاحقة حين تتلقى خبر طلاقها البائن فهي متباينة، مردّها طبيعتها أولاً، ومن ثم المستوى الثقافي، وأخيراً المحيط الاجتماعي الداعم أو المحبط.

وقد فوجئت هذه السنة بردة فعل إحداهن، أبهرتني لطرافتها وأشعرتني بالتغيير الجذري الحاصل بعمق التفكير النسوي، فيما يخص موضوع الطلاق تحديداً:

ففي عيد الحب ترقص زميلتنا في العمل، تغني وتوزع قطع الحلوى لأنها تخلصت تماماً من زوجها زحبها الأولس.. وتطالب العالم بتكريس عيد للطلاق.. فقد عانت الأمرّين بين أخذ ورد، وجدل ومماحكة وشنططة بالمحاكم، قبل أن يصبح القرار الآخذ الدرجة القطعية بيدها؛ في نفس يوم احتفال عشاق العالم بعيدهم في السنة الماضية.

قالت:هذا أسعد يوم في حياتي، لمَ لا أحتفل بتخلّصي من آلامي وبؤسي؟ من قرفي من كل ما يحيط بي ورغبتي بالموت؟

تشرد بذكرياتها، تترقرق الدمعة في عينيها، تطردها بعناد، وبحماس توزع علينا الحلوى، وتتابع قولها: طموحي في الحياة وسعادتي لن تتوقف عند رجل في حياتي، في النهاية لا نستطيع توقع مفاجآت مخبأة لنا في مكان وزمن ما، ثم تنهي حديثها وهي تغمز من طرفها كأنما تحدث طليقها بخياله الواقف أمامها: (إن كنتُ في حياتك تحصيل حاصل، فأنتَ في حياتي فاصل ونواصل).

تتابع:لا أدري أين قرأت هذه العبارة ربما في إحدى المجلات.

أعدكنّ سأحتفل دائماً بعيد الطلاق، إلى أن يأتي اليوم وأحتفل فيه بعيد الحب. ثم ترفع لنا نخب الحرية مع إشارة وغمزة وضحكة نابعة من القلب.

لم تعتكف نادبة حظها العاثر، لم يتآكلها الحقد على زوجها أو على المجتمع، ولم تحمِّل أحداً أسباب فشلها في الزواج، كأنما هي مؤمنة بالقدر الذي ساقها إلى تلك النهاية.

العدد 1105 - 01/5/2024