«الديمقراطية» السعودية

كان يمكن للتفجير الانتحاري المريع الذي هزّ لبنان صباح  19/11/،2013 والذي استهدف مقر السفارة الإيرانية في الضاحية الجنوبية من بيروت، أن يمر دون كل هذا الدوي وردود الأفعال، لولا التداعيات الخطيرة التي تركها وراءه، والتي وضعت لبنان في مناخ جديد يشتم منه رائحة البارود مرة ثانية.

لقد استنفر لبنان بكامله، واتخذت بعض الأطراف المتصارعة فيه مواقع (قتالية) سياسياً وعسكرياً، وانفجر الوضع في مدينة طرابلس مجدداً، بعد أن بدأت الميليشيات الطائفية والمجموعات التكفيرية بشحن الأجواء ضد طوائف معينة، وضد سورية بشكل خاص. وما يزال الوضع على شفير الهاوية مهدداً بالانفجار الشامل في كل لحظة.

وواضح كل الوضوح أن تفجير لبنان هو ورقة الضغط المؤلمة التي يُشهرها الأمير السعودي بندر بن سلطان ضد سورية وحلفائها في لبنان، لكي يزداد الوضع اشتعالاً فيه، إن أراد، أو يكون ساحة للتسوية إن هم أرادوا ذلك أيضاً، فالترابط بين سورية ولبنان في السراء والضراء هو أمر ينبغي على بعض اللبنانيين أن لا يتناسوه على الإطلاق، وأن يتذكروا دائماً القول الشهير للزعيم اللبناني رياض الصلح (أن لبنان يجب أن لا يكون ممراً أو مستقراً ضد سورية).

وفي العراق، يواصل الشعب العراقي الشقيق دفع ضريبة الدم كل يوم وكل ساعة، ويسقط الألوف من العراقيين بين شهيد وجريح، بواسطة المتفجرات وقذائف الهاون أيضاً، والأعمال الانتحارية التي تنفذها الجماعات التكفيرية نفسها التي تصبغ سورية بالدم الأحمر. وقد وجهت جهات عراقية مسؤولة اتهامها ضد السعودية وقطر لضلوعهما في التخطيط لهذه الأعمال، بعد أن دفع العراق ومازال يدفع المزيد من الضحايا على يد المحتلين الأمريكان، واليوم على يد عملاء السعودية. ومن البديهي ربط الأحداث في سورية بالأحداث الجارية في العراق، نظراً لأن مصدر التخطيط هو واحد (الولايات المتحدة والسعودية)، أما الأداة التنفيذية فهي المجموعات الإرهابية التي تسخر من العالم كله وتتحداه، بإقامتها لما يسمى ب(الدولة الإسلامية) التي تقودها منظمات فاشية دينية مثل (داعش) والنصرة والقاعدة والجبهة الإسلامية وغيرها، مما يبلغ تعداده نحو ألف منظمة إرهابية متسترة بالدين الحنيف، وهو منها براء.

وغني عن الذكر أيضاً الوضع القلق في الأردن، الذي يقف على حافة الهاوية بعد أن حولته السعودية والولايات المتحدة إلى رأس جسر لعبور الإرهابيين وأسلحتهم إلى سورية عبر المعابر الرسمية وغير الرسمية، للقتال ضد سورية شعباً وجيشاً.

ودون أن نبالغ، ودون أن ننفي، لا يمكن تجاهل الأنباء التي تحدثت عن التنسيق والاجتماعات التي تجري حالياً بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، لتكوين ما أسمي بحلف المتضررين من التقارب الأمريكي – الإيراني بشأن الملف النووي الإيراني (الذي تحقق فيه نجاح كبير مؤخراً).

ومن الطبيعي أن هذا النشاط السعودي المفرط في التآمر على سورية ما كان ليستمر، لولا وجود دعم إقليمي ودولي إمبريالي ورجعي.

إن الحكومة التركية، وبالتناقض مع الرأي العام التركي، مستمرة، بل وضالعة حتى (الباط) في آلية التآمر هذه، وإلا فليُقل لنا كيف ماتزال عملية تسلل المقاتلين إلى سورية مستمرة حتى الآن، إذ يتدفق الألوف منهم للتعويض عن قتلاهم، وكان آخرها تسلل 500 مقاتل أفغاني، حسب إحدى الصحف البريطانية. أما التدابير التي اتخذتها هذه الحكومة التركية لما يقال عن الحد من دخول المقاتلين إلى سورية، فهو إجراء ديماغوجي مضلل لإسكات الانتقادات الحادة التي تواجهها من شعبها ومن شعوب العالم.

وقد دخل على الخط، مؤخراً، فرنسا، التي اتخذت موقفاً متشدداً من الأزمة السورية، لكي تؤكد لروسيا والولايات المتحدة، أنها عنصر أساسي وليست تابعاً في حل هذه الأزمة، بعد أن استُبعدت عنها.. كما أنها اتخذت موقفاً متشدداً أيضاً من أزمة الملف النووي، وسرعان ما بدأت تتراجع عنه. إذن، هل نحن أمام مشروع تحالف سعودي- تركي- قطري وإفرنسي وإسرائيلي؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة… لكن حكم (الاشتراكيين) الفرنسيين المزيفين الذي فاق كل تصور في يمينيته لن ينقذ نفسه من الغرق والسقوط، باتخاذه مثل هذه المواقف التي تفوح منها رائحة الانتهازية.

إن مسار الأزمة السورية يأخذ أبعاداً جديدة باستمرار.. صحيح أن الوضع في الميدان، هو العنصر الحاسم في نهاية الأمر، لكن مسار الحل السياسي يسير على العموم لصالح سورية.. فأكثرية دول العالم أصبحت تدرك وتؤمن بأن الحل السياسي السلمي هو الحل الذي يجب على جميع الدول، التشجيع عليه، وليس الالتفاف والمناورة. وقد آن الأوان لأن تحسم الولايات المتحدة موقفها النهائي من هذا الموضوع.. وأن تكف عن المناورة واللعب على الحبال، ورغم أن ذلك هو من صميم طبيعة الإمبريالية الأمريكية، لكن عليها أن تدرك أن سورية عصيّة، وقادرة على الصمود بقوة جيشها ومساندة الحلفاء المخلصين، مثل روسيا وإيران والصين وغيرها. وإذا كانت الولايات المتحدة ومعها الغرب كله والمعارضة السورية الخارجية أيضاً، يؤمنون بالديمقراطية فعلاً، فهل مواقفهم الداعمة أو المتسترة على نشاط التكفيريين الظلاميين، تبرهن على صدق موقفهم من الديمقراطية، أم تبرهن على عكس ذلك؟

إن الشعب السوري الذي اختبر هؤلاء في الأماكن التي سيطروا عليها، ورأى بأم العين النموذج الوحشي وغير الحضاري الذي أقاموه فيها، لم تعد تنطلي عليه الأكاذيب.. وسيواصل السير نحو الحل السياسي المترافق مع طرد المرتزقة الأجانب من بلادنا، والتصدي لكل من تسول له نفسه المساس بحرمة الأراضي السورية.. وستسير سورية على طريق التغيير السلمي نحو المجتمع الديمقراطي التعددي والتقدمي أيضاً.

العدد 1107 - 22/5/2024