حقوق تمييزية تعزز الدور النمطي للمرأة

إن خروج المرأة للعلم والعمل فرض على الدول سنّ التشريعات والقوانين التي تتلاءم ومسؤولياتها أماً وربة بيت وعاملة.

لذا جاءت معظم قوانين العمل داعمة لها، آخذة بيدها لتكون لها عوناً في تأدية أدوارها الجديدة. فقد اعترفت قوانين العمل في معظم الدول العربية بحق المرأة العاملة في الاستفادة من إجازة أمومة تتراوح ما بين خمسة وأربعين يوماً إلى ستة أشهر، كما منحتها ساعة رضاعة مدفوعة الأجر يومياً أو ساعتين بعد الالتحاق بعملها، تتراوح مدتها ما بين ستة أشهر وسنتين. ومنحتها الفرصة للحصول على إجازة من دون راتب تتراوح مدتها ما بين سنة وخمس سنوات للاعتناء بطفلها.

إضافة إلى أن معظم هذه القوانين منعت تشغيل النساء في أوقات معيّنة، ووضعت قيوداً على ساعات تشغيلهن خاصّة في الليل.

لا يمكننا إلاّ الاعتراف بأهمية هذه القوانين بالنسبة للمرأة، لأنها تفسح المجال أمامها لتمارس دورها في المجتمع مع الاحتفاظ بحقها أماً تُنجب وتربي.

غير أن هذه الحقوق المعترف بها للمرأة العاملة تُعتبر في جانبٍ منها تعزيزاً لدورها النمطي، فهي أمّ مطلوب منها هي فقط العناية بالطفل لمدد طويلة تحرمها من بعض حقوقها بفعل هذه الإجازات حسبما تنص هذه القوانين في بعض بنودها، إذ لا يحق لها خلال إجازة الأمومة( المأجورة وغير المأجورة) الاستفادة من الحوافز والمكافآت التشجيعية، أو أية ميزات أخرى، علماً أن إجازة الأمومة المأجورة فقط لا تؤثر على ترقيتها، أما ما عدا ذلك من إجازات أمومة غير مأجورة، فإنها تمنع عنها الاستفادة من الترفيعات الدورية والمزايا المادية الأخرى، إضافة إلى أنها تُحرم من فرص إثبات ذاتها في العمل بحجة أنها أمّ، ولا يمكنها الاهتمام كليّاً بعملها، ولذا نجدها تحوز الأعمال والوظائف الأقل أهمية في بعض المؤسسات.

ومن جهة أخرى يُعتبر هذا الحق- إجازة الأمومة-  تمييزاً بينها وبين الرجل العامل/ الأب الذي لا يخسر أيّاً من امتيازاته الوظيفية، أو فرصة الوصول إلى مراتب عليا رغم وجود طفل جديد في أسرته، لأنه، حسب القيم والمفاهيم الاجتماعية وحتى القانونية، ليس مسؤولاً عن عملية التربية والعناية بالطفل، فهذا من مسؤوليات الأم فقط.

كما أن هذه القوانين، عندما منعت تشغيل النساء في أوقات معيّنة، ووضعت قيوداً على ساعات تشغيلهن في الليل، إنما حرمت المرأة من الحضور في بعض القطّاعات التي أبقتها حكراً على الرجل، ليس من باب الحماية القانونية بقدر ما هو من باب التمييز الإيجابي في ظاهره بحجة المحافظة على صحة المرأة وسمعتها. مع أننا نجدها تعمل ممرضة مناوبة في الورديات الليلية في المشافي مثلاً، فلماذا يقبل عملها ليلاً في هذا القطاع، ولا يُقبل في قطاع آخر.

لقد اعتبرت قوانين العمل ذلك تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة، لكن رغم إيجابيته تلك إلاّ أنه ينطوي على تمييز مغلف بالحماية القانونية مسايرة للقيم الاجتماعية والدينية على حساب شخصية المرأة وكيانها.

وقد لحظت اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة(سيداو) هذه الأمور، إذ جاء في مقدمتها أو ديباجتها ما يلي:

( إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إذ تضع نصب عينيها دور المرأة العظيم في رفاهية الأسرة وتنمية المجتمع الذي لم يعترف به حتى الآن على نحو كامل، والأهمية الاجتماعية للأمومة ولدور الوالدين كليهما في الأسرة وتنشئة الأطفال، وإذ تُدرك أن دور المرأة في الإنجاب يجب أن لا يكون أساساً للتمييز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلاً من ذلك تقاسم المسؤولية بين المرأة والرجل والمجتمع ككل، وإذ تُدرك أن تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة…)

ولهذا جاء في المادة 4 من الاتفاقية:

لا يُعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألاّ يُستتبع، على أيّ نحو الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة.

لا يُعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الأمومة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الاتفاقية، إجراء تمييزياً.

 

المادة5

تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيّزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أيّ من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

 كفالة تضمين التربية العائلية فهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، والاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوماً أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات. 

من هنا يتضح لنا أن الاتفاقية رغبت ببعض التمييز الذي ارتأته إيجابياً لصالح المرأة والمجتمع مرحلياً، بمعنى أن يتم القبول آنياً ببعض هذا الإجراءات التمييزية ريثما يتبنى المجتمع والأسرة بشكل خاص ثقافة وسلوكاً يؤديان إلى قبول هذه المساواة بلا تحيّز لأحدهما ضدّ الآخر(المرأة والرجل)، بحيث يكون الانتقال بعدها إلى المساواة الكاملة بين الجنسين في الحقوق والواجبات أمراً ضرورياً لا مفرّ منه. مع العلم أن تطور التكنولوجيا في كل المجالات قد فتح الأبواب على مصراعيها أمام الجنسين لخوض غمار أي عمل أو مهنة دون تمييز تقني أو علمي، بمعنى أن الأعمال اليوم لم تعد تتطلب الجهود المضنية كما كانت سابقاً، وبهذا تنتفي الذرائع والعوائق الموضوعة أمام المرأة في ولوج أعمال كانت حكراً على الرجل، والواقع العملي والحيّ خير برهان على ما وصلت إليه المرأة حالياً.

العدد 1105 - 01/5/2024