ثلج.. وقلوب حجرية

اعتدت دائماً الاحتفال بهطول الثلوج على أنغام هذه الأغنية الفيروزية، أستمتع بقهوتي و المدفأة تصدر أشعة الدفء في صالة منزلنا.. لطالما ترقبت بشغف زيارة الثلج لمدينتي..انتظرته بلهفة طفلة تترقب قدوم العيد..وهل هناك عيد أجمل من عرس ترتدي فيه دمشقي ثوبها الأبيض وتكسو أشجارها وأرصفتها بوشاح من نور ونقاء؟!

أما اليوم وبعد أن نشرت الحرب سمومها ودنست بدمارها حتى نقاء الثلوج أصبحت أتهرب من إنسانيتي..أصم سمعي عن أنات أطفال لم يعد الثلج فرحا لهم بل غدا كارثة لا ينجو من براثن صقيعها إلا القليل..

كثيراً ما تساءلت: هل ماتت الإنسانية حقا؟! هل أصبحنا نعيش في زمن الأصنام البشرية بقلوبها الحجرية؟!

تتزاحم الأفكار في عقلي..وأراني أهرب منها لأنني أدرك عجزي أمامها..وأؤمن بأنني أملك إجاباتها مسبقاً ولكني أنكر إيماني..أنكر اقتناعي بتحول مجتمعنا الإنساني إلى مجتمع اضطهادي لا مكان فيه للضعفاء..ولا طاقة له على استيعاب المساكين.. أنكر عروبتي فأنا لا ألوم العروبة ولا أبحث عنها فلا فائدة ترجى من البحث عن ميت أكل الدهر عليه وشرب..لكنني أبحث عن إنسان يشعر.. إنسان لم يفقده سواد الموت إنسانيته..

إنها السنة الرابعة للشقاء.. سنة جديدة تسطو منذ حضورها على أبسط أفراحنا.. تغلف أحزاننا بهدية بيضاء لا يليق المكر بنقائها.. سنة حصدت منذ قدومها أرواح أطفال بهدايا السماء وكتبت المزيد من القصص الحقيقية عن زهور  قتلها البرد تماما كبائعة الكبريت، لكن هذه المرة على مرأى ومسمع من الجميع..

حقاً مضحك مبكٍ حالنا..أطفال تتعالى ضحكاتهم وهم يتبادلون كرات الثلج فرحين محلقين.. وآخرون تتعالى صرخاتهم استجداء وابتهالاً عل أصواتهم تصل إلى من لم يغلق أذني روحه عن معاناتهم.. عل دموع أمهاتهم اللاتي تتلوين حسرة تغرق من لم يمت شعوره..

مريضة أنا بأفكاري.. مريضة حقاً في تعاستي.. في حزن يزورني مع كل فرح.. في استغاثات مريض يفترسه المرض دون أن يملك الدواء.. وبكاء طفل يشتهي الطعام.. وآخر قدر عليه الموت قبل أن يعيش الحياة.. وأم تموت قهرا  كلما استشعرت عجزها عن سد رمق أولادها.. أو درء البرد والحر عنهم تقتلها في كل لحظة أوتاد الخيام..

كيف استطاعت الحرب تحويل الفرح إلى جريمة نخجل من ارتكابها؟! كيف سوّدت يومنا وحاصرت بظلامها مستقبلنا؟!

وكيف أصبحت الشتائم وسيلتنا.. التخوين عقيدتنا.. والقتل أسلوبنا؟!

كيف ماتت كلماتنا قبل أن تكتب.. واندثرت أحلامنا قبل أن تزهر؟! وأصبح الحقد السائد الأول على مشاعرنا؟ حقاً لست أعلم!

أفتقد الأمان في وطن الأمان.. أفتقد فرحاً لا تشوبه أحزان.. أفتقد وحدة إنسانية لا عربية، لكنني لن أمل البحث عن الحب في زمن الطغيان والأحقاد..

فلا تبكِ يا وطني أجساد طيورك المتجمدة.. طفولتهم المسلوبة.. وجثثهم المكفنة ببرد الخيام..فمنك تعلمنا.

العدد 1107 - 22/5/2024