سوط البطالة

حييّت شهراً فكْرُه من فكرتي ..|..  فيما يخطُّ.. وذاته من ذاتي

تغنى الجواهري في هذا البيت الشعري بعيد العمال،فأي ذات للعمال يعاينوا فيها حالهم أو ذاتهم الحقيقية في وطن بات مثل متوحش يأكل أبناءه حين يجوع لأنه تسرّع بإنجابهم.

 فقد فاقم الوضع المأساوي والواقع المعيشي المتدني مشكلة البطالة، تلك المشكلة الأبدية التي عانى منها شبابنا، وهو الذي أدرك منذ ما قبل بدء الأزمة انهزامه أمام إثبات هويته كفرد متعلم يرفض تهميشه، ويجب أن يأخذ فرصته السانحة كي يساهم بحق في بناء الوطن، ويدرك أيضاً انهزامه في سباق الماراثون الحقيقي والوهمي أحياناً باتجاه التعيين في العمل الذي يناسبه، وقد حفظ عن ظهر قلب وبخبرة واقعية ونظرية مقولة (الشخص المناسب في المكان غير المناسب)، وفتر حماسه بسبب يأسه من تخلي المسؤولين عن تقديم الوساطات والمحسوبيات والرشاوي، وعلى عينك يا تاجر برغم كل دعوات الإصلاح من تلك الناحية، وعدم تقدير كفاءته وربما عبقريته التي ضاعت بأسباب سوء النهج.

وبالتالي صرف عدد غير قليل من الشباب النظر عن عملية التنقيب عن عمل بمقتضى شهادة المعهد أو الجامعة التي يحملونها، لكونها غير مطلوبة حكومياً، أو ليس لها سوق عمل، وإن وجد فشرط الخبرة الضرورية صادم على الدوام.

يتساءل الشباب بدهشة: و من أين ستأتي الخبرة إن كنا مازلنا خريجين جدداً؟ إلا إذا قررت الجامعة منحنا شهادة خبرة اعتماداً على مفهوم آخر للدروس العملية. فكان مصيرهم إما الهجرة إلى بلد آخر يطلب كفاءتهم، وإما القبول بأي مهنة تجر عليهم ربحاً يقيهم شر العوز، أو الرضا بعمل يتطلب فئة ما دون تحصيلهم الجامعي، ما يؤكد ذلك هو نظرة سريعة للعدد الهائل الذي يتقدم لأي مسابقة عمل، الأهم في النهاية هو الحصول على راتب ثابت تحت أي فئة كانت.

زيادة على ذلك وباستطلاع بسيط في أي (مول) نجد على سبيل المثال تلك التي تحمل منذ سنوات شهادة من كلية الآثار والمتاحف، وذلك الذي تخرج في فرع التاريخ الذي دخله عن رغبة وباختياره !!

لا ننكر جهود الحكومة في ظل الأزمات الراهنة، خاصة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، بالعمل على تفعيل مشروع تشغيل الشباب، مع استيعاب أكبر عدد ممكن منهم، لكن بعد ما شهدته المناطق المنكوبة من تهجير، جعل بعض المناطق بمؤسساتها الحكومية تحتشد وتتكدس بعامليها، فتضخمت مشكلة البطالة المقنعة بحيث لا تتجاوز مدة عمل الفرد الواحد الساعات القليلة مقسمة على شهر بأكمله، ولا يخفى على أحد السلبيات والأخطار الهائلة الناجمة عن ذلك.

 هناك من العاملين من يحق لهم التكريم، والاحتفال بهم بحق في عيدهم وعن جدارة، وهناك من لا يحق ذكرهم، والذنب ليس إلا ذنب وجودهم ضمن منظومة مخططات خاطئة.

العدد 1105 - 01/5/2024