الحل السلمي فقط ينهي معاناة الجماهير الشعبية

في عام 2009 أظهرت إحصائيات صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أن وسطي الإنفاق الشهري الكلي للأسرة السورية بلغ نحو30 ألف ليرة سورية، تغطي الغذاء واللباس والأثاث والتعليم والإيجار الشهري والنقل والاتصالات واستهلاك الكهرباء والمازوت.

حينذاك كان سعر صرف الدولار يراوح بين 48 و50 ليرة سورية، وكانت الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة الطبقة العاملة وصغار المزارعين والمتقاعدين، تئن بسبب الهوة الواسعة بين الأجور والأسعار التي يتحكم بارتفاعها أسياد الأسواق، بعد أن تخلت الحكومة آنذاك عن دورها في العملية الاقتصادية، وأطلقت أيديهم استناداً لقوانين السوق الحر، وكان متوسط الأجور في القطاع العام 13000ليرة سورية، وفي القطاع الخاص نحو 10000 ليرة سورية، وكانت نسبة العاطلين عن العمل تتأرجح بين 14و17 %، أما نسبة الفقر بشكل عام فقدرت آنذاك بين 38و41 %، وفي بعض المناطق المهمشة كالمنطقة الشرقية والشمالية فتجاوزت 55%. كانت الفئات الشعبية تتحايل على تراجع أجورها ومداخيلها الحقيقية بالتقطير.. والشد على البطون.. والاستغناء عن بعض السلع الأقل ضرورة، ثم بالاستدانة أو بيع بعض الممتلكات.

بعد اندلاع الأزمة السورية العاصفة، وتشديد حصار الامبريالية وشركائها الأوربيين والخليجيين على سورية، ارتفعت أسعار القطع الأجنبي بنسبة تجاوزت 300%، مما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع، وخاصة تلك المستوردة بنسبة تجاوزت في كثير من الأحيان 200%، وشملت هذه السلع المواد الغذائية والأدوية والألبسة، وزاد في تأزيم الأوضاع المعيشية رفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة تجاوزت 300% للمازوت، و100% للبنزين، مما أدى إلى ارتفاعات أخرى في أسعار السلع والخدمات، وخاصة أجور النقل الداخلي والقطري. أما العامل الآخر الذي أثار غضب جماهيرنا الشعبية فهو سيطرة حزمة من أثرياء الأزمات والمحتكرين والفاسدين المدعومين من هذه الجهة أو تلك، والمضاربين في الأسواق السوداء، على أسواقنا، وتحكّمهم بلقمة ودواء هذه الجماهير المكتوية أساساً بتداعيات الأزمة العاصفة.

كيف يمكن بعد عرضنا هذا تصور الوضع المعيشي للفئات الشعبية؟ كيف تتدبر أمورها؟

لن نسهب في وصف معاناة المواطن السوري، ولن نطيل في تصوير المآسي التي يتعرض لها، فقد أصبح الحديث في هذه المسائل نوعاً من التكرار الذي لا يجدي نفعاً أمام استمرار الأزمة.. ومفاعيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعثّر الحلول الحكومية بعد تراجع الإيرادات العامة، وخروج النفط من خانة الموردين الأساسيين لخزينة الدولة، وحجم التخريب والهدم والسرقة التي تعرضت لها المنشآت الاقتصادية والخدمية.

صحيح أننا نطالب دوماً بتفعيل تدخل الحكومة في الأسواق إنتاجاً واستيراداً.. وتسويقاً، وفرض رقابة محكمة على الأسعار، لكننا ندرك- ويدرك غيرنا أيضاً- أن التراجع الحقيقي لمعاناة الجماهير الشعبية لن يأتي فقط من خلال خطوات الحكومة في مرحلة استثنائية.. صعبة، بل يأتي أيضاً وأساساً من خلال حل سلمي لأزمتنا الوطنية التي تهدد وحدة بلادنا.. وحياة مواطنينا.. وانتعاش اقتصادنا، عبر توافق جميع مكونات شعبنا السياسية والدينية والإثنية، والانطلاق بعد ذلك إلى إعادة إعمار سورية الديمقراطية.. التعددية.. العلمانية.. التقدمية. في الزمن العادي يمكننا وصف حيتان الأسواق بالمستغِلين.. والمحتِكرين، فهم يستغلون المواطن كما يستغلون بقية تجار الجملة والمفرق. أما في الزمن الصعب الذي تتعرض فيه بلادنا لتدخل خارجي متعدد الأشكال، وحصار اقتصادي ظالم، ويعاني فيه المواطنون المنتجون والمستهلكون تراجع الدخل الحقيقي وارتفاع تكاليف الإنتاج، فلا يمكننا وصف هؤلاء الحيتان إلا بوصف واحد هو: أعداء الوطن والشعب، ووصف من يقف متفرجاً.. متساهلاً في الأجهزة الرقابية الحكومية ب: (الشريك). المسألة هنا لاتتعلق فقط بمادة واحدة، بل تنسحب على التجارتين الخارجية والداخلية، اللتين تسيطر علهما (لوبيات) عرفت كيفية استغلالهما، لتكديس المليارات على حساب مَنْ يكدحون بشرف وإخلاص لإنتاج خيرات الوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024