مصير المشروع التكفيري.. هو الهزيمة

يحبس العالم أنفاسه وهو ينتظر يوم 22/1/2014 المحدد لعقد مؤتمر السلام حول سورية، وسيرى إن كان سيعقد في الموعد المحدد أم سيؤجل أم سيلغى تماماً!

هذا السؤال الكبير له ما يبرره، وليس من صنع الخيال، فالجميع يعلم أن هذا الموعد قد تغيّر مراراً وتكراراً بانتظار (تعديل) ميزان القوى ليصبح متعادلاً بين قوى الجيش العربي السوري، وقوى الجماعات الإرهابية المسلحة.. ،لكن الأمور جرت بعكس ما تشتهي هذه الجماعات ومن ورائها الغرب وتركيا والسعودية، وأحرز الجيش تقدماً ملموساً في العديد من المواقع. ولا يغير من هذا الاستنتاج أو يقلل من قيمته بعض المجازر التي تقوم بها هذه المجموعات تعبيراً عن إفلاسها، فهي تؤكد طبيعتها اللاإنسانية.

وفوق هذا وذاك، وفي سياق يدعو للدهشة فعلاً، جاء انفجار التناقضات بين هذه المجموعات إلى حد الاقتتال الدموي فيما بينها، لدرجة يصعب وضع تعريف دقيق لها، ولكنها في جميع الأحوال تقدم للعالم كله وللشعب السوري أولاً، نموذجاً ولا أوضح، عن طبيعة المشروع التكفيري، بل ومشروع الدولة  الدينية المستبدة برمته، الذي يراد لشعوبنا العربية في سورية ولبنان والعراق وغيرها الانسياق وراءه.

وبالرغم من الضربات الموجعة التي تنهال على القوى الحاملة لهذا المشروع في سورية والعراق على السواء، وهم التكفيريون والوهابيون، فإن حكام السعودية يغامرون بورقتهم الأخيرة (إما قاتل أو مقتول).

معلوم أن مثل هذه السياسة لا تحكم على نفسها إلا بالغياب المذل والعاجل عن الساحة السياسية.

أوربا التي ملأت الدنيا تهويشاً وتهويلاً وصراخاً ضد سورية، بدأت استدارتها تبدو للعيان وبالعين المجردة.. أوربا هذه التي لم ينبس حكامها (الاشتراكيون) ببنت شفة ضد المجازر التي تقع على أرض سورية، والذين آثروا منذ البداية الانحياز إلى أبشع جماعات الإرهاب في العالم، أخذوا اليوم، بعد التمعن الجيد في ميزان القوى الجديد المتبدل، بالاستدارة و(التكويع) لكي يكون لهم حصة ما في كعكة الشرق الأوسط بعد جنيف.

أردوغان تركيا الذي أوحى للعالم في يوم من الأيام أنه يحزم حقائب للسفر في رحلة الانتصار إلى دمشق، أخذ بطلب الاستعانة بإيران من أجل أن تكون استدارته (وتكويعته) وخاصة تجاه سورية، مأمونة العواقب، هذا إذا حالفه الحظ وبقي في السلطة حتى موعد الانتخابات القادمة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية التي قرأت المتغيرات الدولية والإقليمية والداخلية السوري بعين براغماتية تخلو من العواطف، فإنها تهيئ نفسها للانفضاض عن حلفائها، وهي التي اعتادت على خلعهم وبيعهم بأبخس الأثمان إذا تطلبت مصلحتها ذلك، وها هي ذلك ترى أنها قد تستطيع أن تجني ثماراً أكثر إذا التحقت بركب جنيف الذي تقوده روسيا، وتخلت عن المراهنة على أحصنه فاشلة.

وقد ازدادت الأمور تعقيداً بعد الاندفاعة السريعة لمشروع الدولة الدينية في سورية والعراق، وهو مشروع لا يمكن الجزم بتفاصيله الغامضة، إلا أن الشراسة التي يتقدم بها الآن في المنطقة، تجعل الولايات المتحدة أكثر ميلاً إلى التمسك بمؤتمر جنيف الذي يساعد على إضعاف (القاعدة) وبقية الفصائل الإرهابية المتشددة مثل (داعش) و(النصرة) و(الجبهة الإسلامية) وغيرها وغيرها.. كذلك تفعل أوربا التي بدأت تعي خطر انفلات المجموعات الدينية المتطرفة من عقالها، ما يجعلها تتقرب من سورية وتعيد النظر في موقفها من مؤتمر جنيف 2.

إن مجموع هذه المتغيرات يمكن أن تصبح عوامل إسناد ودعم للرحلة التي قد تكون طويلة وشاقة باتجاه مؤتمر جنيف ،2 وبالعكس، فإنها تجعل مواقف المعارضين لهذا المؤتمر أكثر ضعفاً، ومنهم من يسمي نفسه (الائتلاف الوطني للتغيير) وغيره.

إذن نحن أمام فرص أكبر لانعقاد المؤتمر، وبالتالي فإن العالم أمام خيارات متعددة:

إما أن ينعقد المؤتمر بحضور كامل أو بمن حضر، فيضع إطاراً عاماً لكيفية القضاء على الإرهاب، والإرهاب الممارس في سورية الآن يمثل نموذجه الجلي، كما تبحث لجانه المشكلة من سورية فقط أفضل الطرق لإجراء التغييرات والإصلاحات في سورية، التي يجب أن تقوم على أسس وطنية وتقدمية تكفل مساراً ديمقراطياً لسورية، وتعيد لها دورها القومي المعهود في الصراع العربي الإسرائيلي.. كما تساهم مساهمة إيجابية في حل مشاكل القوميات الأخرى في الوطن العربي على أساس عصري منفتح يلبي حقوقها المشروعة، ويحمي الوطن من خطر التشتت والتشرذم.

أما الخيار الآخر وهو عدم انعقاد المؤتمر أو فشله، فعلينا أن نتوقع أسوأ الاحتمالات وأشدها عنفاً.

إن الشعب السوري الذي يعيش واحدة من أسوأ المحن الإنسانية في التاريخ الحديث، يريد حلاً لمحنته هذه.. إن المهجرين يريدون الإيواء الكريم العزيز.. والجرحى يطالبون بالإسعاف والمعالجة الصحية لهم.. وإن التلاميذ والطلاب يطالبون بالعودة إلى مدارسهم وجامعاتهم، والعمال إلى معاملهم وورشاتهم، ويريدون حماية البنى التحتية التي تمعن فيها الجماعات الإرهابية تخريباً ونسفاً وإجراماً، وهو في الوقت ذاته يأبى أن يستغل بعض الأثرياء الجدد أو القدامى حاجة الاقتصاد الوطني لإعادة الإعمار، لكي يضعوا أيديهم على المشاريع الجديدة ويجنوا الثروات الطائلة ويهربون أرباحها إلى الخارج.

كما يفهم الشعب السوري تطلعه الإيجابي المشروع إلى مؤتمر جنيف 2 على أنه سوف يضع الأسس لرحلة سياسية جديدة، أساسها ضمان الأمن والسلام وحقن الدماء ووقف العنف والعمل على تشجيع جميع أبناء سورية الذي اضطرتهم هذه المحنة إلى مغادرة البلاد، على العودة إليها، ويريد لسورية أيضاً إصلاحات ديمقراطية تكفل تطبيق الدستور الجديد باتجاه المجتمع الديمقراطي التعددي، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن بحيث تتوسع حقوق المواطنين في العمل السياسي، وأن يوضع حد لتدخلات الأجهزة الأمنية في الشاردة والواردة.

والشعب السوري المؤمن بالتعددية والعلمانية، يريد احترام التنوع في حياته السياسية والاجتماعية، ويريد إشراك الأحزاب السياسية في تقرير شؤونه الأساسية.

لذلك نعتقد أنه من الضروري أن يضم الوفد السوري إلى المؤتمر ممثلين عن الأحزاب السياسية والهيئات الاجتماعية والأهلية، لكي يعكس التنوع السياسي الوطني والثقافي الذي يتميز به المجتمع السوري، الذي سيجنح نحو المعافاة ونحو عودة الحياة الطبيعية إلى ربوعه، ولو كره الكارهون.

العدد 1107 - 22/5/2024