الأخلاق.. ماذا بقي منها لدينا؟

 

نعرف شعبياً لا أكاديمياً أن الأخلاق علم، لكنه لا يخضع لقوانين منطقية تحدّه وتؤطره بالجمود، فالاختلاف في المعايير زماناً ومكاناً ما بين الماضي والحاضر يبدّل مفاهيمها، ونتيجة النزاع الدامي الذي يغطي مساحة الوطن، تشوهت معالم الأخلاق التي نادت بها جميع الأديان، وسادت لدى شعوبنا إلى حد ما أخلاق حاملي السلاح، حتى لم يعد للإنسان المحب للسلام سابق الأفضلية بأهداف مستقبلية تصب في بوتقته. كما لم يعد يَقتُل أو يُقتَل لأهداف خاصة، أو من أجل مصلحة الوطن العامة، بقدر ما هي من أجل تمجيد سلطة رئيس جماعة معينة، أو المحافظة على ميزاتها الفكرية وغنائمها ضمن مساحة جغرافية محددة.

وبعد أن كان للضمير سلطة تذكر، طوى الكثيرون صفحته، ذلك أنه (لا ضمير للحرب) بحسب المقولة الدارجة؛ باتت التجارة ليست فقط شطارة ممثلة باللعب بعقل المشتري، إنما نهباً واحتكاراً وسرقة ومتاجرة حتى بالإنسان نفسه، حين يجري اختطافه والمساومة عليه بطلب فدية ثمناً لتحريره، ولا غرابة إذا قلنا: المتاجرة بجثته!!

فيا لها من أخلاق تتجه نحو العدم! نحتاج كمّاً كبيراً من الاعتذارات للوطن والشعب عما يُرتكب بحقهم من الفوادح اللاأخلاقية.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة الناتجة عن الصراع الكاسر لظهر الوطن، ضَعفَ تداول مصطلحات أخلاقية كمثل المأثرة والحمية والعطف و.. والصداقة. فكم تشرذمت في زمننا تلك الروابط في حين يجب أن تسود علاقة تبادلية للمودة، العطف، الاحترام، الحوار المتبادل وحرية الاختلاف! وكم من الأصدقاء التفّت العلاقة بينهم باتجاه العداء، وربما التصفية الجسدية، بسبب اختلافهم على مفهوم حبهم للوطن.

أما ميزة الكرم فمن كان راتبه لا يسد رمق أولاده كيف سيشفق على الفقير، وهو يحتاج إلى من يشفق عليه!؟ وبأي (نعجة) سيظهر كرمه؟! وما يجلب صدمة وقهراً للكثيرين، هو ما سببته الحرب من تدهور الأوضاع المادية للبعض، والتحسن أو الغنى المفاجئ الذي ترتسم حوله آلاف إشارات الاستفهام للبعض الآخر ممن تغاضوا عن أخلاقهم – إن وجدت- وانتهزوا الانفلات من كل جانب، فتحولوا إلى ثعالب، مساحة وطنهم تقاس بقدرتهم على نهشه.   وبدل أن يتميز ويعلو شأن الفلاح أو العامل بجميع الوظائف والاختصاصات، أصبحنا برؤية ضبابية عامة نقدس العسكري حامل السلاح، لدرجة أن البعض صار يلبس المموه من أجل نيل نظرة التقديس تلك.

لن نيأس من المطالبة بالعدالة، أقوى المقومات التي تكرس السلم والأمان، ما يقودنا في النهاية إلى الغيرية والبحث عن مصلحة الآخر المحتاج للدعم.

في النهاية، الشعب قد لا تهمه القضايا السياسية الكبرى، بقدر ما تهمه العدالة الاجتماعية التي ينطوي ضمنياً أعلى صفحاتها عنوان العدالة الاقتصادية، الممثلة أيضاً بعدم نهب مخزون الثروات الوطنية أو عدم استغلالها، وبالتالي إثراء الأثرياء على حساب إفقار الفقراء.

البشرية أخلاقياً تنام على طبق من ذهب، لكنها لا تأكل منه.

العدد 1105 - 01/5/2024