العمل التطوعي يزيد التماسك الوطني

منذ أن خُلق الإنسان فُطر على التعاون والتواصل مع أبناء جنسه، من أجل الحفاظ على استمراريته وبقاء نوعه ومقاومة كل العوامل التي من شأنها أن تحد من هذه الاستمرارية وتطورها، فكان التعاون بدايةً في شؤون الحصول على الطعام والدفاع عن الجماعة، وتطور ليشمل مجالات عديدة.

ومع نشوء مفهوم الدولة وانتظام الإنسان في مجتمعات متكاملة ومتعددة أصبح للتعاون أشكال ومجالات أكثر غنىً وتنوعاً، وبات من الضرورة بمكان تنظيم مفهوم التعاون بقوانين ناظمة ليكون لهذا العمل جدوى وفاعلية أكثر على المستوى الجمعي، ومن ثم انطلق التعاون من داخل الدولة الواحدة ليشمل التعاون بين الدول والمنظمات التي كان عملها بدايةً بشكلٍ فردي، ثم توسع وانتشر بين الدول، كمنظمتي الهلال والصليب الأحمر الدوليين غير الحكوميتين مثلاً.

ومن هنا انتشرت فكرة العمل التطوعي، هذا العمل غير الرسمي وغير المرتبط بالمؤسسات الحكومية، وعلى هذا تمت صيغت عدة تعريفات للعمل التطوعي، وبالرغم من تعددها إلا أنها تصل إلى الهدف والنتيجة ذاتها.

 فالعمل التطوعي هو:

كل ما يقدمه الإنسان من أعمال خيرية في جميع المجالات دون أي مقابل مادي.

وعلى هذا فقد تم اعتماد 5 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام من قبل الأمم المتحدة في قرارها رقم 40/212 في 17 كانون الأول (ديسمبر) 1985 يوماً للتطوع، وأعلنت الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني ،1997 عام 2001 بوصفه السنة الدولية للمتطوعين، كما اعتمدت الجمعية العامة أيضاً، بموجب قرارها المؤرخ في 10 كانون الأول ،2002 توصيات بشأن السبل التي يمكن بها للحكومات ومنظمة الأمم المتحدة دعم التطوع، ومن بينها، توصية الحكومات بدعم الأنشطة التطوعية عبر بيئة مواتية، وتشجيع وسائل الإعلام على القيام بدور داعم في أنشطة رفع مستوى الوعي العام بأهمية التطوع، وغير ذلك كثير.

أهمية العمل التطوعي

تتجلى أهمية العمل التطوعي في:

– تكميل العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع عن طريق رفع مستوى الخدمة أو توسيعها.

– توفير خدمات قد يصعب على الإدارة الحكومية تقديمها لما تتسم به الأجهزة التطوعية من مرونة وقدرة على الحركة السريعة.

تطبيق الأسلوب العلمي من خلال خبراء متطوعين وصنع قنوات اتصال مع منظمات شبيهة في دول أخرى من دون حساسية أو التزام رسمي والاستفادة من تجاربها الناجعة القابلة للتطبيق.

– جلب خبرات أو أموال من خارج البلاد من منظمات مهتمة بالمجال نفسه، إلى جانب المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات لتحقيق تبادل الخبرات ومن ثم المزيد من الاستفادة والنجاح.

– التطوع ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية الجماهير وإيجابيتها، لذلك يؤخذ مؤشراً للحكم على مدى تقدم الشعوب.

– ولأن الشباب يمثلون دعامة أي مجتمع ورمز مستقبله فإن التطوع يساهم في تبلور شخصية الشباب ويبعث في نفوسهم شعور الارتياح والرضا في تأدية الخدمات.

– تفعيل دور الشباب وإتاحة الفرصة لهم في المشاركة مع الجهات الرسمية في رسم سياسات التنمية في مجتمعهم من خلال تحديد الأولويات التي يحتاجها مجتمعهم.

– العمل التطوعي يفسح المجال أمام الشباب لتنمية قدراتهم وصقل شخصياتهم والارتقاء بقدراتهم العملية.

– يعزز النقد في نفوس الشباب بحيث يصبحون قادرين على تجاوز صعوباتهم بأنفسهم، ويمتلكون القدرة على حل كل المشاكل وتخطي الصعاب.

– إبراز الصورة الإنسانية للمجتمع وتدعيم التكامل بين الناس وتأكيد اللمسة الحانية المجردة من الصراع والمنافسة.

إن العمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني. وهذا دور اجتماعي هام يقوم به العمل التطوعي. يقول تيتموس (1971) Titmuss) ) مقارناً العمل التطوعي بالتبرع بالدم: إن إيجاد الجو المناسب للجمهور للتبرع بحرية بدمهم لمساعدة شخص لا يعرفونه يعد مكوناً أساسياً للمجتمع الصالح، وبهذا المقياس نفسه فإنه من الأهمية للمجتمعات إتاحة الفرصة أمام المواطنين للعطاء التطوعي إن رغبوا بذلك.

إن العطاء بحرية عنصر رئيسي للمجتمع الصالح، لذا فإن إتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة لا تساعد فقط على تخطي عيوب بيروقراطية العمل الرسمي فحسب بل وتحقق متطلبات التنمية.

وعلى هذا فإن الاعتماد على العمل التطوعي مسانداً للمؤسسات الحكومية في أي مجتمع، فإن هذا المجتمع سيشهد تطوراً ملحوظاً في المجالات كافة، فيكون كما الطائر الذي لا يمكنه التحليق إلا بجناحيه معاً، لا سيما إن كان عماد هذين الجناحين هو فئة الشباب الذين يحملون أفكاراً ومفاهيم متجددة ومتنوعة تغني العمل أياً كان.

فلنكن دعماً لهذا النوع من التعاون والتواصل، لاسيما في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، والتي جعلتنا بأمس الحاجة للتماسك وأن نكون يداً واحدةً بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، فهدفنا في النهاية أن نرسو ببلادنا على شاطئ الأمان.

العدد 1105 - 01/5/2024