العمل التطوعي في سورية يحتاج إلى قانون جديد

إن مفهوم العمل الطوعي أو التطوعي حديث نسبياً بالنسبة لوجوده تحت رعاية جمعيات ومنظمات خاضعة للقانون، وقد مارسته بعض المنظمات الشعبية بشكل رسمي عبر تنظيف شوارع المدن وحدائقها أو القيام بأعمال أخرى مشابهة كالتي قام بها منذ سنوات الاتحاد الوطني لطلبة سورية، عندما أعاد تأهيل وتنظيم بعض الحدائق الرئيسية في العاصمة، وكذلك بعض المدارس والأماكن الأخرى في قرى وبلدات موزّعة على مساحة سورية، وذلك بأيدي طلبة الجامعة من مختلف الاختصاصات وفق مفهوم التطوع. 

ومفهوم التطوّع يعتمد على شعور المواطن وإحساسه بأهمية دوره في المجتمع، ومن هذا المنطلق أتذكر قول الأستاذ حسين العودات: (إن ألف باء المواطنة في الدولة الحديثة يتطلب تحقيق أمرين على التوازي وبأوسع المعاني وهما: المساواة والمشاركة. أي المساواة في الحقوق والواجبات، والمشاركة في بناء الدولة وتحقيق تطور المجتمع وتنميته). (*)

وهذا بالضبط ما تحتاجه الجهات والمؤسسات والجمعيات التي تسعى إلى المشاركة في تنمية المجتمع بالتوازي مع الجهات الرسمية المعنية بتلك الأمور، لأنه في أيّ بلد من بلدان العالم لا يمكن للحكومات وحدها منفردة تنفيذ وإنجاز كل المهام والخطط والبرامج المطروحة والمطلوبة من أجل تلبية احتياجات المجتمع المختلفة والمتعددة، وهذا ما يتطلب بالضرورة وجود منظمات مجتمعية رديفة تعمل كمساعد رئيسي على تنفيذ تلك الخطط والمهام.

وقد نص قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 93 لعام 1958  وتعديلاته بالمرسوم التشريعي 224 لعام 1969 على:

مادة 1 تعتبر جمعية في تطبيق هذا القانون كل جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعية أو اعتبارية لغرض غير الحصول على ربح مادي.

مادة 7 لا تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية إلا إذا شهر نظامها وفقاً لأحكام هذا القانون.

وانطلاقاً مما شهده المجتمع السوري وما يزال منذ أكثر من أربع سنوات وعلى كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وبما حملته هذه الحرب من كوارث وويلات ناء بحملها واحتمالها الجميع، لاسيما الشرائح الدنيا والفقيرة، التي لا تملك من مقومات الحياة أصلاً ما يسد رمقها، تبدو الحاجة اليوم مُلحّة أكثر من أيّ وقت مضى، لوجود منظمات مدنية تطوعية تعمل على النهوض بالأفراد والمجتمع من قاع هذا الواقع إلى مستويات الحياة المقبولة، منظمات مُرخصة تعمل وفق قانون عصري ملائم لتطور الأفراد والمجتمع واحتياجاتهم، لأن القانون الساري حالياً والذي تجاوز عمره خمسين عاماً لا يمكنه شمول المتغيّرات والتطورات الطارئة على المجتمع، لأن هناك العديد من الجمعيات والجهات التطوعية التي برزت في ظل الظروف الاستثنائية تعمل بعيداً عن هذا القانون، مما يجعل من المادة 7 إما لاغية، أو أن عمل هذه الجمعيات غير قانوني. كما تنص المادة 3  يشترط في إنشاء الجمعية أن يوضع لها نظام مكتوب وموقع من المؤسسين ويجب أن لا يشترك في تأسيسها أو ينضم إلى عضويتها أي من الأشخاص المحرومين من ممارسة الحقوق السياسية.

وهذه المادة تُجرّد العمل التطوعي من مضامينه الإنسانية، لأنها تحرم إنساناً فرض عليه واقع أمني ما أن يُحرم من ممارسة حقوقه السياسية، لكن حقه في أن يقدّم خدماته التي يرغب للمجتمع طواعية، فلا يجوز أن يُحرم منه. 

 المادة 22 لا يجوز جمع تبرعات من الجمهور إلا عن طريق الجمعيات في الأحوال والأوضاع التي تبينها اللائحة التنفيذية. ويجوز للجهة الإدارية المختصة أن تضيف شروطاً أخرى بالنسبة لكل حالة على حدة إذا اقتضت الأحوال ذلك.

صحيح أن الواقع الحالي قد يكون استثنائياً في البلاد، لكنه واقع يفرض ذاته بقوة مما يستدعي من الجميع المساهمة بأية جهود كانت مادية أم معنوية، وهذه المادة تمنع مثل تلك المساهمات.

وانطلاقاً من كل هذا، لا بدّ من تشريع قانوني متطور ينظم عمل الهيئات والأفراد، ليكون بديلاً عن قانون متخلّف يتبنى مبدأ الوصاية المقيّدة والتامة على المجتمع.

وما زلنا بانتظار ما ستسفر عنه جهود وزارة الشؤون الاجتماعية منذ عام 2012 بإعداد مشروع قانون المنظمات غير الحكومية، استدراكاً للنقص التشريعي في قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الحالي.

 

 

(*) حسين العودات- السفير 5/4/2015

العدد 1105 - 01/5/2024