الذكرى التسعون لميلاد الحزب الشيوعي السوري: كي لاننسى نقابيين عمالاً وفلاحين وحرفيين مناضلين من أجل الشعب والوطن

بداية لابد من القول إن سورية تتعرض اليوم لأكبر عدوان على أرضها وشعبها لايماثله حتى وضع أوربا إبان الحرب العالمية الثانية، من دمار وتخريب. عدوان وغزو عالمي تشنه الإمبريالية العالمية والغرب الاستعماري عبر أدوات إقليمية وعربية عبرية، وقطعان من السلاجقة العثمانيين الجدد تحت شعارات الديمقراطية والحرية المزعومة.

إن ما يقدمه الشعب والجيش العربي السوري اليوم من شهداء إنما هو للحفاظ على استقلال سورية وسيادتها، الذي كان أحد أهم الشعارات التي عمل الحزب من أجلها منذ تأسيسه وعلى مدى سنوات التضال الطويلة التي قدم خلالها التضحيات والشهداء.

إن انطلاقة الحزب الشيوعي السوري بدأت مع انطلاقة النضال من أجل الاستقلال وتطوير حياة الكادحين، مما أوجد لدى الحزب قيادات نضالية شعبية ساهمت بتوسيع نفوذه على امتداد أرض الوطن، وكان الشيوعيون من أوائل مؤسسي النقابات العمالية في كل من لبنان و سورية. ويعتبر الرفيق فؤاد الشمالي من أول المؤسسين لنقابات عمال الريجي في ذلك الوقت أوائل القرن العشرين، والذي شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوري في العشرينيات من القرن الماضي، كما ساهم الحزب بتأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية عام 1938 واتحاد النقابات العالمي عام 1948 واتحاد نقابات العمال العرب عام 1956 حيث كان الرفيق إبراهيم بكري أحد قادة الحزب الأوائل، وكذلك الرفيق جميل الشيخ عثمان من المؤسسين الأوائل لهذه الاتحادات العمالية.

وعلى امتداد سورية ساهم الرفاق الشيوعيون الأوائل في تأسيس النقابات وتطويرها في الدفاع عن مطالب العمال والفلاحين ومختلف الكادحين من خلال وجودهم في مختلف المراكز النقابية والاتحادات المهنية وعضوية المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال في سورية. ولابد هنا من أن نوجه تحية التقدير والإكبار لأرواح الذين غادرونا من الوجوه النقابية الفذة الذين تركوا أثراً طيباً في قلوب الرفاق والعمال والنقابيين من مختلف الاتجاهات، وأخص بالذكر الرفيق رفيق ضاهر والرفيق أبو مخول وآخرين رحلوا.. سلاماً لأرواحهم جميعاً.

ففي حمص كان أبو ياسين الذقيق ورفاعي السبسبي من أوائل مؤسسي نقابات الغزل والنسيج، وكانت نقابات مشتركة من العمال وأرباب العمل، هؤلاء الرفاق الذين عانوا الكثير من أجل نشر الفكر التقدمي والشيوعي في سورية. كما برزت قيادات شعبية ساهمت بنشر الوعي بين صفوف الشباب والنساء والطلاب والحرفيين..

الرفاق نديم النرشي وسعيد القواس عملوا في معمل السكر، لكنهم فصلوا منه، بتهمة تأسيس نقابات، ثم عملوا في شركة المصابغ وفصلوا للأسباب نفسها، ثم تحولوا للعمل الحر، عذبوا وسجنوا في سجن الشرطة العسكرية بحمص (البولوني) سيئ الصيت، ومن أوائل الرفاق العمال النقابيين عبد الكريم الخواجة، كان فنياً بارعاً في شركة سكر حمص ونقابياً، قاد الإضرابات العمالية، وعمل في التعاون السكني، وانتخب رئيساً للجمعية السكنية لعمال السكر لفترة طويلة.

الرفيق عزيز غريبة، من النقابيين القدامى، عمل في نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين، وكذلك عمل مديراً مالياً في شركة رودكو لإنشاء الطرق والجسور، وكان بيته ولفترة طويلة بيتاً سرياً لقيادة الحزب في ظل العمل السري. الرفاق صبحي الحبل، أحمد عرب، محمد الهامش الذي انتقل من منظمة شباب محمد إلى الحزب الشيوعي، الرفيق محمد الجاجة عمل في النجارة وكان مفرغاً للعمل الحزبي أمضى حياته مناضلاً متنقلاً في عدة محافظات، الرفيق مختار الأحدب كان مناضلاً نقابياً في شركة المصابغ، وكان يتصدر العراضات الجماهيرية، التحق بالعمل الفدائي مع الجبهة الشعبية على جبهة الأردن، وشارك في معارك أيلول الأسود، الرفاق عبد الكريم معلوف الذي عمل في نقابة عمال البناء والأخشاب، وكان رئيساً للنقابة لفترة طويلة وفي قيادة الاتحاد المهني للبناء في سورية، عبد الكريم مخول أيضاً عمل في نقابة البناء عن عمال القطاع الخاص وعضو مكتب تنفيذي في اتحاد عمال حمص ولمدة طويلة، خلال عهد الوحدة داهم الأمن بيته للبحث عن مطبعة الحزب، فما كان من زوجته الرفيقة أم طوني إلا أن جلست على المطبعة وقالت لهم ابحثوا وفتشوا فلن تعثروا على شيء، وأنقذت بذلك المطبعة منهم.

الرفاق بشير خطاب، فهيم طيارة عملوا في نقابة عمال الخطوط الحديدية، الرفيق ابو جورج رباحية كان وجهاً بارزاً في نقابة الخياطين، والرفيق أبو صلاح اللوز، والرفاق سلمون سعد في نقابة المصارف والرفيق حاتم السباعي الذي كافح منذ الثانية عشرة من عمره عمل في سد الرستن، وفي شركة الأسمدة، وكان عضواً في نقابة عمال المواد الكيماوية وفي الاتحاد المهني لعمال النفط والكيماويات في سورية، أبو أيمن الشبعان في اتحاد الحرفيين عن النجارين، أبو فرحان الحلواني في نقابة الحجارين، الرفيق أبو سهيل رومية في نقابة الكهرباء، والرفيق عز الدين رضوان الذي استشهد أثناء القيام بواجبه بتمديد الكابل المحوري، وكان رائداً في عمله وعضواً في نقابة عمال الدولة والبلديات وعضو مجلس الاتحاد العام، الرفيق حيدر منصور من نقابة عمال الغزل والنسيج وأبو ناصر خانكان، وأبو زياد الشاغوري، الرفيق راتب جبنه من القادة الشعبيين، عاش مناضلاً وتعرض لمختلف أنواع الاضطهاد حتى وفاته. أذكر هنا حادثة هامه رواها لي: في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، كان يصلي في جامع باب السباع، وكان إمام الجامع الشيخ مصطقى السباعي، وكان هو مرشد الإخوان المسلمين حينذاك، وكان يخطب ويحرض في خطبته على الشيوعيين بأنهم كفار ويجب قتلهم، فقام رفيقنا راتب وقال له ياشيخ تتهجم على الشيوعيين وأنهم كفار ولايؤمنون ولا يصلون، وهذا أنا شيوعي وأصلي، ولكنني ياشيخ لم أرَكَ في مظاهرات الشعب الجوعان من أجل رغيف الخبز وضد الخبز الأسود، والله حرام الصلاة وراك، وخرج رفيقنا وهنا علا صوت الإمام: شيوعي كافر.. اقتلوه.. لكن أحداً لم يستجب له! كان يشعر بمرارة عندما يذكر فترة الاعتقال أيام الوحدة وتهديد الأمن له ولزوجته، وكان عندما يلاحقه الأمن في شوارع باب السباع، كان الأمن يصرخ حرامي امسكوه، وكان رفيقنا يصيح شيوعي أنا شيوعي. وذكر شيئاً مهما قال: كنا نقود المظاهرات ضد الجوع والديكتاتورية، وكان ينضم إلينا الآلاف من أبناء شعبنا، ولكن عندما نبدأ بطرح الشعارات الانعزالية، كانت الناس تنفض من حولنا، وكان بين الرفاق المعتقلين الذين قادهم الأمن إلى دمشق سيراً، فحولوا سيرهم إلى مظاهرة مرددين شعارات الحزب، مما اضطر الأمن لنقلهم بالسيارات بعد أن وصلوا إلى القلمون، ومن لايعرف بيت أبو عارف وأم عارف الذي كان مركزاً فعلياً لنشاط الحزب في باب السباع، وكثيرون من عمال وفلاحي سورية الذين كانوا يمثلون جذور السنديانة الحمراء في الريف، من منا لايذكر الرفيق الراحل أبو جون سليمان ورحلات العذاب على الدراجة الهوائية ومعه المعلم في المشرفة أبوطالب غريبة؟ لم تبق قرية في الريف الشرقي أو الغربي لم يشكلا فيه قاعدة للحزب، آلاف الكيلومترات قطعوها على (البسكليت) ولم تفارق البسمة وجه أبو جون حتى في أحلك الظروف، سلاماً لروحه وروح كل شهداء الحزب والوطن.

الرفيق أبو أحمد معروف وأبو جمال بلول وعلي ربيع الذين كانت مطبعة الحزب تعمل في قريتهم في أحلك الظروف السرية، ومن لايذكر الرفيق أبو فوزي في قرية فيروزه، وأبو مجحم الداغستاني في قرية ديرفول، وأبو سليمان شندوخ في قرية الغنطو، وخالد الضاهر وأبومروان حريتاني في قرية تلبيسة، والرفاق أبو طلال عزوز وعزيز عزوز وفهيم طيارة وفيصل بيطار ورفعت الصباغ في قرية قطينة وآخرين كثر لم أستطع تذكرهم.

ومن المناضلات الشيوعيات اللاتي تعرضن للاضطهاد أذكر منهن: الرفيقات أم عارف، وروز ثلجة وآمنة السباعي ونوزة الأشقر (أم طالب) التي تعرضت للاعتقال، وأم طوني مخول، والدكتورة نجاح الساعاتي، ألف تحية لكل المناضلات اللاتي ضحين خلال حياتهن بالعمل من أجل الحزب والشعب.

العدد 1104 - 24/4/2024